تحولات السكن الواحي بالمغرب ودور الهجرة الدولية في الظاهرة

تحولات السكن الواحي بالمغرب ودور الهجرة الدولية في الظاهرة

 
 


 
 



ساليمي نورالدين
مساهمة الهجرة الدولية في في التحولات المجالية والإجتماعية وآفاق الظاهرة بواحة فركلة - إقليم الرشيدية- المغرب
مقدمة:
تعتبر التحولات الاجتماعية والمجالية من أبرز آثار الهجرة الدولية بواحة فركلة، فإذا كانت استثمارات المهاجرين ضعيفة التأثير اقتصاديا، نظرا لتركزها في قطاعات غير منتجة خاصة القطاع الثالث، و ضعف قيمة الأموال المستثمرة وتدني مساهمتها في توفير فرص الشغل. فإن تأثيرات هذه الاستثمارت على المستوى المجالي والاجتماعي تبقي واضحة بشكل بارز.
فعلى المستوي المجالي، أحدثت مساكن المهاجرين العصرية قطيعة تامة مع سكن القصور التقليدي من حيث موقع البناء وشكله والمواد المستعملة في البناء، والتي يميل فيها المهاجرون إلى تقليد أنماط غربية وحضرية غريبة عن الوسط القروي الفقير. كما كان لاستفادة المركز الحضري لتنجداد من الخدمات الاجتماعية دور في ازدياد جاذبية هذا الأخير للساكنة القروية، خاصة من المهاجرين بالخارج، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل التمدين ليصل إلى 18 %(إحصاء 2004). ويفسر ذلك بالمساهمة المرتفعة للمهاجرين خاصة بفرنسا، بالرفع من الأنشطة التجارية والخدماتية بالمركز الحضري لتنجداد نتيجة لاستثماراتهم في القطاع الثالث.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد شكل تغير الترابية الاجتماعية التقليدية أبرز مظاهر التحول، فقد تمكنت فئة الحراطين من استعادة مكانتها وتقوية موقعها في المجتمع المحلي، كما ان مؤسسة الجماعة مع ما تحمله من دلالة على وحدة المجتمع ولحمته تراجعت مكانتها مقابل انتشار قيم الفردانية.
1- مساهمة الهجرة الدولية في التحولات المجالية
1-1 التحول المجالي للسكن القروي الواحي:
إلى حدود فترة الاستعمار شكل القصر السكن الرئيسي للسكن بالواحات المغربية، وكان هذا القصر ملائما للسكن بهذا المجال بشكله وهندسته وموقعه. لكن بدأ هذا السكن في التراجع نتيجة الضغط الديمغرافي وتنامي حاجيات سكان القصر، مع الانفتاح على العالم الخارجي وتحسن الأوضاع المعيشة لهم، و تفكك الأشكال التقليدية للتضامن الجماعي بين السكان، وهي عوامل كانت وراء تراجع أهمية وهجرة سكان الواحة للقصر، وهو ما يعبر عنه بظاهر"انفجار القصور" كظاهرة لها دلالاتها وأبعادها المختلفة، كما ترتبط بشكل أساسي بظاهرة الهجرة الدولية.
لقد كان للهجرة الدولية دور مهم في ظهور وانتشار "الملكية الخاصة" ضمن مجال الأراضي الجماعية التي لم تكن تستغل فلاحيا، فاختلفت بذلك أشكال إنتاج السكن الذي أخذ شكلين رئيسيين:
- ظهر الأول بالقانون العرفي على شكل تجمعات سكنية على مقربة من القصور القديمة ذات شكل قريب من السكن القديم، وتتوزع هذه المساكن على أساس القرابة العائلية، حيث نجد منازل أفراد عائلة كبيرة متلاصقة ومتقاربة فيما بينها.
- أما الشكل الثاني من السكن فيتمثل في السكن المشتت الذي يرتبط بأهمية دور مهاجري الخارج في إنتاج السكن الخاص، وهكذا أصبحنا نلاحظ انسلاخا تدريجيا لسكن القصور عن وظائفه التقليدية وارتباطه بالنشاط الفلاحي، لتحل محله وظائف جديدة تستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها واحة فركلة.
فما هو دور الهجرة الدولية في هذا التحول المجالي للسكن ولخصائصه؟.
يعتبر سكن القصور من أهم المظاهر المجسدة للتحولات المجالية الملموسة بواحة فركلة، ليس فقط في مظهره الخارجي بل أيضا في هندسته ومواد بناءه. لا يرتبط هذا التحول بظاهرة الهجرة الدولية فقط بل بظاهرة انفجار القصور وخروج السكان للاستقرار خارج أسوار القصر منذ فترة الأربعينات والخمسينات، وهي المرحلة التي سبقت الانطلاق المكثف للهجرة الدولية بالمنطقة والتي بدأت مع الستينات. كما أن ظاهرة الخروج من القصور كانت اضطرارية أحيانا أكثر منها اختيارية نتيحة الكوارث الطبيعية، كالفيضانات (أودية فركلة وتنكرفة) التي غمرت بعض القصور، فأدت إلى انهيار العديد من المنازل خاصة بقصور أسرير وتلالت، حيث أن من مجموع 731 منزل بقصر أسرير دمرت الفيضانات 120 منزلا (سنة 1979). كما أن ارتفاع عدد الأفراد داخل العائلة الكبيرة ونشوب الصراعات بين هؤلاء، أدى إلى تفكك هذه العائلات الكبرى المجتمعة و بداية ظهور السكن الفردي خاصة على طول الطريق وبالمركز الحضري.
1-1-1 تدخل الإدارة في التحولات المجالية:
لقد كان للتدخل الاستعماري مع مطلع الثلاثينات بالواحة دور مهم في بداية مسلسل خروج السكان من القصر، رغبة منه في تفكيك الأشكال التقليدية لتجمع السكان وكذلك بهدف تسهيل عملية مراقبتم . فبادر المعمر الفرنسي إلى إنشاء المركز الحضري لتنجداد منذ سنة 1934 وتحويل سوق قصر أسرير إلى المركز الحضري، وهو ما حكم على التجار والحرفيين بالاستقرار بالمركز وشراء أراضي لبناء مساكن ومحلات تجارية لهم، خاصة وأن المركز استفاد من عدة خدمات ضرورية لم تكن تتوفر بالقصور كالماء والكهرباء.
بعد الاستقلال لعب تدخل الدولة دورا مهما في حجم التحولات السكنية، وذلك من خلال البرامج التنموية المحتشمة بالواحة، حيث عرفت الواحة تدخلات استثنائية في ميدان السكن القروي، تمثلت في عملية إعادة إسكان المتضررين من الفيضانات، خاصة فيضان سنة 1979، الذي أثر بشكل سلبي على سكن العديد من قصور الواحة كأسرير وتلالت، وكان هذا التدخل في إطار ما يسمى بالمساعدة على البناء الذاتي. وخلال هذ الفترة لم تستفد قصور واحة فركلة من أي عملية إصلاح للسكن وإنقاذ تراثه المعماري، اللهم ما جاء في مخطط 1968 – 1972 حول تقييم الوضع السكني بالوسط القروي، حيث استفادت واحة فركلة من إعادة تجديد حوالي 9000 سكن على واد فركلة ( محمد المولودي وهاشم كبيري،2007) كما هو الشأن لمختلف الواحات الجنوبية الشرقية (تافيلالت، غريس، درعة). فقد ساهمت هذه العمليات في تحول ملامح السكن الواحي، وإن كان ذلك بشكل طفيف، فلم يرق إلى مستوى إحداث ثورة سكنية واضحة بالواحة. لكن هذه الثورة السكنية ستبدأ بعد الحصيلة السلبية في إنتاج السكن القروي وتعدد الدراسات لإيجاد مقاربة منهجية ملائمة لخصوصيات العالم القروي الواحي بشكل خاص، انخرطت الدولة في سياسة إنشاء "القرى النموذجية"، لتجاوز خصوصيات السكن القروي التقليدي (القصور) كمقاربة جديدة أدت إلى تغيير معالم السكن بالواحة. حيث تم تشييد قرية نموذجية في كل من قصر تايررة (35 منزلا) والقرية النموذجية بالمركز الحضري (96 منزلا) سنة 1989، بالجهة الجنوبية للمركز على مساحة تقدر ب 2.05 هكتار، من طرف وزارة الإسكان والتعمير، وذلك قصد تلبية حاجيات السكان من السكن خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود (أقل من 1500درهم). ومن نقائص هذا المشروع السكني غياب وضعف التجهيزات الضرورية من ماء وكهرباء ومجالات خضراء، إضافة إلى هشاشة المواد المستعملة في البناء، وضيف مساحة هذه المساكن التي لا تتجاوز70مترا مربعا، وهو ما يجبر السكان على إدخال تعديلات في بناء هذه المساكن. كما أن هذه التجزئة تفتقد إلى ترخيص خاص بها لأنها أنجزت قبل صدور قانون (96-90)، 17 يونيو 1992 والمتعلق بالتجزئات السكنية.
هكذا كان لتدخل الدولة في ميدان السكن دور رئيسي في التحولات التي شهدها السكن بالواحة من خلال إنتاج سكن صلب على شاكلة منازل مغربية مختلف عن سكن القصور ، كما ساهم دور المهاجرين بالخارج في تحول السكن من خلال الاستثمار في بناء مساكن عصرية وحديثة شكلت قطيعة مع السكن التقليدي.

1-1-2 مساهمة الهجرة الدولية في التحولات المجاليةبواحةفركلة:
بفعل التهميش والتحولات العميقة التي يخضع لها المجال الواحي، لم يعد القصر كمؤسسة اجتماعية وتاريخية وكإبداع جماعي لمجتمع متجانس قادر على الصمود أمام صدمة التحول وتغير القيم والممارسات والسلوكات المحلية، نتيجة الانفتاح على العالم الخارجي عبر الهجرة (محمد المولودي وهاشم كبيري 2007)، مما دفع بالمهاجرين إلى البناء خارج القصر بعد مرحلة ترميم المنزل القديم. فجل المهاجرين يملكون مسكنا خارج القصور القديمة، وبذلك لقد ساهم المهاجرون في انفجار القصور بشكل مهم، نتيجة شراء أراضي السلالات الجماعية مما ساعدهم على بسط نفوذهم في المنطقة.
وكما يشير Buchner(حسن أحبار، 1999) إلى أن انتشار السكن خارج القصور، ساهمت فيه الأسر التى تتوفر على مصادر ثانوية كالجنود والتجار والعمال المهاجرين.
وعموما تعتبر الهجرة من أهم العوامل التي ساهمت في تغيير بنية السكن التقليدي وظهور أنماط وأشكال جديدة من السكن، مست الشكل والهندسة والتجهيز.

1-1-3 على مستوى البناء: تغيير موقع السكن وشكله
يبقى من أهم مظاهر تحول السكن في الواحة، هو شكل ومواد البناء المعتمدة من طرف المهاجرين، خلافا لما كان عليه البناء التقليدي للقصر الذى هو عبارة عن مجموعة بنايات متماسكة ومتلاصقة فيما بينها، محاطة بسور يصعب النفاذ منه، إلا عبر الباب الرئيسي للقصر الذي يكون محروسا. فمن حيث شكل البناء تتجمع المساكن داخل القصر في شكل تراكمي متماسك فيما يشبه القلعة تحيط به الأسوار( أمزيان أحمد، 2000). لكل قصر بابان غالبا ما ينفتح نحو الطريق المؤدية إلى البساتين من جهة، ونحو الساحات والطرق الخارجية التي تربطه بالقصور الأخرى أو بخارج الواحة من جهة أخرى. أما الشكل الداخلي للقصر ودوره وطريقة بنائه فهي متشابهة تتكون من طابقين أو ثلاث، ذات أروقة تحيط بالساحة المكشوفة وسط الدار، أو ما يسمى محليا ب"أراغ"، وفي الطابق الأرضي تخصص بعض الحجرات لخزن المنتوجات والأدوات الزراعية والحطب وعلف الماشية. ويعتمد في البناء على مواد محلية تتمثل في الطين المدكوك المخلط بالتبن وجذوع النخيل المنجورة والطوب.
يتضح أن للعامل الطبيعي تأثير واضح على الشكل الداخلي للقصر بالواحة، وبجميع الواحات الجنوبية بشمال إفريقيا، فللوظيفة الدفاعية والظروف المناخية دور أساسي في توجيه شكل البناءفي البيئة الصحراوية، حيث يشكل فيها خشب النخيل والطين المادتين الأساسيتين في البناء ( أمزيان أحمد، 2000). وتتميز الحجرات بكونها لا تتجاوز 3 أمتار في عرضها، باستثناء غرفة الضيوف التى تكون أكبر البيوت مساحة. كما يتوفر القصر على مختلف المرافق الاجتماعية التي يحتاجها السكان من مساجد وكتاتيب وحوانيت وساحات عمومية ومبنى التقاء الجماعة..إلخ. في حين تفتقر إلى عدة وسائل ضرورية كالكهرباء والماء، إضافة إلى مشاكل صعوبة التنقل. إلا أن بعض هذه القصور تم هجرتها بشكل تام، كما هو الشأن بالنسبة لقصور أيت عاصم وتغدوين، وهو ما ينذر باندثار القصور مستقبلا نتيجة تدهورها. خاصة وأن قصور واحة فركلة لم تستفد لحد الآن من برامج الإنقاذ والترميم مقارنة مع بعض قصور واحة تافيلالت التي يصعب إيجاد منزل فارغ في بعضها كقصر المعاضيد مثلا.
أما السكن الجديد الذي يقوم المهاجر ببنائه فإنه مختلف عن بناء القصور وإن كان في البداية لم يقطع الصلة تماما ببناء القصر على الأقل من حيث مواد البناء وشكل البيوت. حيث نسجل في المنازل المحيطة بالقصر وجود استمرارية في عملية البناء التقليدية باعتماد اللوح "التابوب" و المواد المحلية، مع إدخال قليل من المواد الحديثة في البناء كالإسمنت والحديد والاجور، إنه وساطة بين السكن الحضري والسكن التقليدي (محمد الناصري، 1988). ولعل هذا ما يفسر النسبة المهمة من المساكن المزدوجة التي يتوفر عليها المهاجرون والتي تمثل 35.83% من المساكن، حيث يقدم المهاجرون في البداية على إدخال تعديلات على المسكن القديم( بنسبة 83.34% )، قبل الإقبال على بناء مسكن جديد، وهذا ما قام به 71.9 %من مجموع المهاجرين الحضريين، و60.9% من المهاجرين بالوسط القروي بالمنطقة الجنوبية. (وزارة التخطيط،1985).
وفي المرحلة الثالثة، يقوم المهاجر ببناء منزل حديث بكل المقاييس، وذلك بالاعتماد على المواد الحديثة في البناء بشكل تام، إلى جانب اختيار أشكال هندسية حضرية بل تحاكي أشكال البناء بالمهجر. ولعل هذه الرغبة في محاكاة السكن الأوربي والحضري هي التى كانت وراء تدهور السكن التقليدي، فأصبح السكن العصري وسكن الفيلات سائدا بالواحة، والجدول التالي يوضح ذلك:

جدول رقم 41 : توزيع سكن المهاجرين بواحة فركلة حسب النوع
نوعية السكن
العدد
النسبة %
تقليدي
12
10
عصري
64
53.34
مزدوج
44
36.66
المجموع
120
100%
المصدر: استمارة ميدانية 2007
مبيان رقم 11 :توزيع سكن المهاجرين بواحة فركلة حسب النوع







نلاحظ أهمية المهاجرين الذي يتوفرون على سكن من النوع العصري بنسبة تفوق النصف (53.34%)، وهو ما يؤشر على الإقبال الكبير للمهاجرين على هذا النوع من السكن الشبيه بالحضري على حساب السكن المزدوج والتقليدي. فالسكن المزدوج لازال مهما لدى بعض المهاجرين خاصة حديثي العهد بالهجرة، الذين لم يتمكنوا بعد من ادخار أموال مهمة لاستغلالها في البناء. أما السكن التقليدي فإنه يعرف تراجعا مهما فهو لا يمثل سوى 10% فقط من مساكن المهاجرين، وهو ما يعبر عن انتقال فعلي للسكن بالواحة من التقليدي إلى الحديث والعصري بفعل الهجرة التي تعتبر إلى حد ما مسؤولة عن تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية وعصرنة أنماط الحياة بهذا المجال.




صورة رقم 3 : مراحل التحول السكني مجاليا
صورة رقم 4 : أشكال السكن العصري للمهاجرين والتي عوضت سكن القصورسكن القصر



سكن مزدوج

سكن عصري

ومن أهم الأشكال العصرية في البناء تنتشر الفيلات كشكل من السكن لم تعرفه واحة فركلة إلا حديثا مع بداية بروز تأثيرات الهجرة الدولية بالمنطقة (الجدول رقم 42 )، التي تبرز أهمية إقبال المهاجرين بالخارج على هذا النوع من السكن.

جدول رقم 42 : توزيع سكن الفيلات حسب المالك ما بين سنتي 1996-2002
طبيعة المالك
عدد الفيلات
النسبة %
مهاجر بالخارج
12
52.17
موظف
8
34.78
آخرون
3
13.05
المجموع
23
100المصدر: بلدية تنجداد 2007
من خلال الجدول أعلاه، يتضح أن المهاجرين بالخارج هم الشريحة الأساسية المساهمة في انتشار سكن الفيلات داخل الواحة بنسبة 52.17%، نظرا لتوفرها على الإمكانيات المادية.
يتميز هذا النوع من السكن بخضوعه للتخطيط والتناسق ويتوفر على جنبات وحدائق خاصة صغيرة، كما أن مساحة هذه الفيلات لا تقل غالبا عن 114 متر مربع، مما يجعلها تحتوي على مواقف للسيارات. كما تتوفر على مختلف التجهيزات الضرورية والكمالية، ولا تتجاوز طابقين، فهي الكفيلة بالنسبة للمهاجرين بإبراز مستواهم المادي والاجتماعي في الواحة.
أصبحت واحة فركلة تعرف انتشارا لأشكال السكن الحديث على حساب السكن التقليدي الذي شكل لفترة طويلة خاصية أساسية للواحة. فتدهور القصور واختفاء معالمها المعمارية أدى إلى فقدان السكن المتميز والمتأقلم مع المناخ والمنظر العام للواحة، هذا يعني حقيقة فقدان عنصر جهوي ومحلي يعبر عن الهوية الثقافية. فقد أصبح بالإمكان، حاليا، الحديث عن أزمة القصور والسكن التقليدي كتعبير عن حدة التحولات المجالية التي تعيشها واحة فركلة بفعل الهجرة، خاصة الدولية، كما هو الشأن لباقي واحات الجنوب الشرقي المغربي، مما أفقد هذه الواحات تجانسها المعماري بفعل تداخل أشكال السكن التقليدي والحديث في وسط جغرافي واجتماعي لا يعكس مستوى هذا السكن فعلا.

1-1-4 تغير وظائف السكن الواحي :
عرف السكن الواحي تغيرا في وظائفه ومرافقه التقليدية، حيث كان للنشاط الفلاحي ووظائفه أثر مهم في تشكيل منازل القصور، حيث كانت تستغل حجرات الطابق السفليفي خزن مجموعة من الأدوات والمواد المتعلقة بالأنشطة الفلاحية وحطب الوقود وعلف الماشية، وحظيرة للحيوانات والماشية، كما يتميز الطابق الأرضي بوجود حجرة أكثر اتساعا تخصص لخزن مؤونة عيش الأسرة السنوي، ويتكلف رب العائلة بالأشراف عليه. إلا أنه مع تراجع النشاط الفلاحي وارتفاع نسبة السكان داخل الواحة، تغيرت الوظيفة المزدوجة للسكن الواحي، حيث انتقل من مسكن يضم بيوتا للنوم و تحمي العائلة وأمتعتها من جهة، ومن تشكل مركز الحيازة فتحفظ المحاصيل وتأوى الماشية وتصون الأدوات الزراعية من جهة ثانية، إلى منازل ذات وظيفة أحادية، هي إيواء السكان فقط، بعدما تم التخلي على النشاط الفلاحي وما يتعلق به من أدوات العمل.
ارتفع عدد غرف المساكن الحديثة للمهاجرين (جدول رقم 43)، مقارنة مع منازل القصور القديمة التي يقل فيها عدد الغرف لدرجة يختلط فيها سكان المنزل بالماشية أثناء النوم. أما حاليا أصبحت مساكن المهاجر تتميز بأهمية الهندسة والنظافة العالية والغرف العديدة المفروسة بعناية، وتعكس مدى الترقي في السلوك الاجتماعي الذي جعل كل مرافق السكن مخصصة للعائلة فقط. إضافة إلى ارتفاع عدد غرف المنزل الجديد، ارتفعت مساحة هذه الغرف، فبعدما كان عرض الحجرات في القصر لا يتجاوز 2.50 مترا ليتناسب مع سقف خشب النخيل (أحمد أمزيان، 2000)، أصبح عرض الغرف بمنازل المهاجرين يتجاوز4 أمتار.

جدول رقم 43: توزيع منازل مهاجري فركلة حسب عدد الغرف
عدد الغرف
العدد
النسبة %
3-4
23
19.17
5-6
42
35
7-8
32
26.67
9-10
9
7.5
أكثر من 10
9
7.5
غير مصرح
5
4.16
المجموع
120
100% المصدر: بلدية تنجداد 2007
يتضح من خلال الجدول أعلاه، أن منازل المهاجرين لم تعد تتكون من غرفتين أو غرفة واحدة كما كان الحال في المساكن القديمة، بل أصبحت تتكون منازلهم من أكثر من ثلاث غرف كحد أدنى لتصل إلى 14 غرفة كحد أقصى في بعض المنازل.
نلاحظ أيضا أهمية الأسر المهاجرة التي تتوفر على 5-6 غرف مشكلة نسبة تصل إلى 35%، أما الفئة التي تتوفر على 7 إلى 8 غرف فتمثل حوالي 26.67% من مجموع المهاجرين، في حين أن الفئة المتوفرة على 3 إلى 4 غرف فهي ضعيفة بما أنها لاتتجاوز 19.17% فقط. كما أن المهاجرين المتوفرين على مساكن بأكثر من 9 غرف ضعيفة كذلك حيث لا تتجاوز 15%.
تنضاف إلى التحولات الكمية السالفة الذكر لمنازل المهاجرين، تحولات نوعية حيث أصبح بالإمكان الحديث على نوع من التخصص، فبعدما كانت البيوت في القصر تشترك في وظيفة الأكل والنوم والطبخ، ثم عزل البيوت فأصبحت هناك المخصصة للطبخ ولتناول الوجبات وأخرى للنوم وغرف خاصة لاستقبال الضيوف. إنه تغيير فعلي للسلوك وللثقافة المحلية، بتأثير الثقافة الحضرية والغربية التي تأثر بها المهاجرون بالخارج.
1-1-5 التجهيزات المنزلية ووسائل الرفاه:
تعتبر مساحة السكن من العناصر التي عرفت أيضا تحولا مهما، بارتفاع عدد الغرف و توفر موقفا للسيارة مما أدى إلى ارتفاع مساحة المنازل (جدول رقم 44).

جدول رقم 44 توزيع مساحة مساكن المهاجرين بواحة فركلة بالمتر مربع
المساحة بالمتر2
العدد
النسبة %
100-150
42
35
151-200
40
33.33
201-250
18
15
251-300
4
3.33
أكثر من 300
6
5
غير مصرح
10
8.34
المجموع
120
100المصدر: استمارة ميدانية 2007
إن ما يثير الانتباه في مساحة منازل المهاجرين، كونها لا تقل عن 100 م2، إذ أن حوالي 35% من المنازل تتراوح مساحتها ما بين 100 و 150 م2، أما المنازل ذات مساحة 151 و200 م2 فتمثل 33.33%، في حين أن نسبة المنازل التي تفوق مساحتها 200 م2 تصل 23.33%، في الوقت الذي نجد فيه منازل لغير المهاجرين أقل مساحة.
إلى جانب ارتفاع مساحة منازل المهاجرين وعدد الغرف، فإن هذه المنازل تتميز باستفادتها من التجهيزات والمرافق الأساسية، نظرا لما يحتله مشروع السكن من أهمية لدى المهاجرين فهو يعبر عن تحسن وضعهم المعيشي ويعكس إلى حد كبير درجة الرفاهية التي يعيش فيها المهاجر مقارنة مع غير المهاجرين.

جدول رقم 45 توزيع المهاجرين حسب التجهيزات المنزلية
المرافق الصحية
نسبة الربط %
كهرباء
100
ماء
98
تطهير سائل
56.7
طريق
2المصدر: استمارة ميدانية 2007
يلاحظ من خلال الجدول أعلاه، أن أغلبية منازل المهاجرين تتوفر على المرافق الصحية من الارتباط بشبكة الكهرباء والماء والتطهير السائل.
إلا أن ما يأرق الواحة بصفة عامة هو مشكل الطريق وضعف تعبيدها، حيث أن الطرق التي تربط بين القصور بعضها البعض وبالمركز الحضري جد سيئة، تشكل معاناة للسكان أثناء تنقلاتهم اليومية فضلا عن مشاكل تطاير الغبار أثناء الصيف والأوحال في فترة الشتاء.
أما مشكل التطهير السائل فلازالت الواحة بمجاليها الحضري والقروي تعاني من نقص حاد في هذا الجانب، وإن كانت مدينة تنجداد حاليا قد استفادت من مشروع تجديد قنوات التطهير السائل. لقد خلصت الهجرة نسبيا سكان الواحة من طقس الشتاء القارس والصيف الحار، بالاحتماء بالأزقة المسقوفة أو الهروب داخل المنزل باللجوء إلى حجرات الطابق الأرضي المظلمة والباردة، حيث تمكن المهاجر من التحرر من العيش داخل القصر، بعدما تمكن من اقتناء أو بناء منزل جديد مكيف بالآلات وتدخله أشعة الشمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية