قراءة هيدرولوجية لأهم الأحواض النهرية بالمغرب محمد صباحي / كلية الآداب – تطوان

















قراءة هيدرولوجية   
لأهم الأحواض النهرية بالمغرب  
محمد صباحي / كلية الآداب – تطوان


يتميز المغرب بسياق هيدرولوجي يطبعه غياب الانتظام في الكميات المتوفرة من المياه في الزمان والمكان. ويبلغ متوسط تساقطات الغلاف الجوي 150 مليار م3/ السنة، منها 121 مليار م3/ السنة تتعرض لعمليتي التبخر - النتح، فيما 29 مليار م3/ السنة تغذي الجريان السطحي ( 20 مليار م3/ السنة ) والفرشات الباطنية (9 مليار م3/ السنة). أما متوسط المياه السطحية المتجددة فتقدر بحوالي 22,5 مليار م3 /السنة ( تأتي 2,5 مليار م3/ السنة عن طريق مياه العيون ). وبذلك، فهي تمثل 77,6 % من مجموع المياه النافعة . 

ويؤدي تفاعل عناصر المناخ في إطار الدورة المائية إلى تواجد الماء، حيث تشكل مياه الأمطار وذوبان الثلوج وما ينجم عنهما من جريان سطحي وجوفي، المصدر الرئيسي للموارد المائية العذبة. ويتخذ الماء أشكالا مختلفة في حركته حسب نوعية التكوينات الصخرية السائدة ومنظومة الانحدارات وتأثيرات المناخ والتربة والغطاء النباتي، بل يتعداه ليشمل تدخل الإنسان الذي يرتبط بمدى كثافة السكان وطبيعة تدخلهم في المجال .

يتوفر المغرب على العديد من الأحواض الهيدرولوجية الكبرى المكونة أساسا من مجموعة من الأودية والروافد ، تختلف أهميتها حسب خصوصيات الوسط الطبيعي الذي تتواجد به. وتكتسي الأحواض الأطلنتية للشمال والوسط مكانة متميزة ومهمة على مستوى الشبكة الهيدروغرافية ، مقارنة مع الأحواض المتوسطية والشرقية والجنوبية. لذا فإن فهم الخصائص الهيدرولوجية لأي حوض نهري لا يمكن فصله عن تنظيمه الجغرافي الداخلي، باعتبار الحوض وحدة جغرافية وظيفية تتفاعل فيها كل المعطيات، يحدد من خلالها طبيعة نظام الجريان وكمية المياه المختزنة في الحوض. وتكون الشبكة الهيدروغرافية للأحواض النهرية متفرعة على شكل شجرة جدعها هو الواد الرئيسي وأغصانها هم الروافد .

يراد بالحوض النهري المجال الجغرافي الذي يخترقه عنصر هيدروغرافي رئيسي وروافده، أي كل المنطقة التي تتجمع فيها المياه. لذا، فمن الضروري معرفة طبيعة التصريف النهري ونظامه في علاقة مع المكونات الجغرافية التي يتواجد بها الحوض. وتعكس كمية المياه المنصرفة عبر النهر الحقيقة الجغرافية للمجال. ويشكل الحوض مجال جغرافي لتقييم الحصيلة المائية، وتفرض دراسة أي حوض التعرف على الخصوصيات الطبيعية من حيث التركيبة الصخرية والترابية وشكل الانحدارات ونوعية المناخ وطبيعة الغطاء النباتي وشكل المجرى وغيرها .

تشكل الطبوغرافيا واحدا من أهم العناصر المحددة لميكانيزمات الجريان السطحي للمياه. ويساهم تباينها بالمجال المغربي في تنوع الجريان بمختلف الأحواض النهرية. ذلك أن التضاريس تتشكل من وحدات متباينة وغير متجانسة. كما تساعد الدراسة الجيولوجية للأحواض النهرية على فهم نوعية التكوينات الصخرية السائدة داخل الحوض، وبالتالي مدى تأثيرها على الجريان المائي. فالتعرف على الصخور المشكلة للحوض تمكن من تحديد أهمية النفاذية ودرجة مساميتها ( حجم الفراغ الموجود بالتربة والقابل للامتلاء بالماء ) .

تتوقف كمية المياه المتحركة داخل الحوض على طبيعة التساقطات (سائلة أو صلبة) وحدتها والمدة الزمنية التي استغرقتها، وأيضا مدة التشميس المرتبط بأهمية درجات الحرارة والقدرة التبخرية للهواء. فكلما زادت كمية الأمطار وتشبعت التربة، إلا ونشط الجريان السطحي وارتفع صبيب الأودية. لكن في حالة الجفاف، يلاحظ تراجع كبير في الجريان وفي الصبيب مقارنة مع الفتــرات الممطــرة . 

إن النظام المطري ببلادنا يتخذ شكل دورات متتالية، بحيث تتناوب سنة أو عدة سنوات رطبة مع أخرى جافة. فالسنة الرطبة تعرف نشاطا في الجريان عكس الجافة التي ينتج عنها شح ، بل أحيانا نضوب في جريان مياه الأودية. يتميز مناخ المغرب بمجموعة من المناخات الوسيطة بين المناخ الجاف كليا والمناخ الرطب. ويطبع نظام تساقطاته المطرية عدم الانتظام في الزمان والمكان. كما يتسم بتناوب فترات ممطرة بغزارة وأخرى تعرف جفافا حادا يمكن أن يدوم عدة سنوات .

ومن الأشياء الضرورية لدراسة أي حوض هو قياس مساحته بكلم2 ، ذلك أن مساحة الحوض تساعد على تقييم الحصيلة الهيدرولوجية ( (Bilan Hydriqueوتحديد الصبيب الطبيعي، علما أن كمية المياه تزداد نحو السافلة بازدياد مساحة الحوض . وتشكل الطريقة التي يتغير بها الصبيب خلال السنة الواحدة، ومن سنة لأخرى إحدى خصائص كل نظام نهري . 

إن وفرة الصبيب توازي السنوات والفصول الرطبة، فيما تراجعه يوافق الجافة منها. وتزداد أهمية الصبيب كلما غطت التساقطات معظم مساحة الحوض، لكن إذا اكتفت بجزء من مساحته (ربع المساحة مثلا)، يكون الصبيب ضعيفا. وعلى هذا الأساس، فإن نظام التساقطات يتحكم في تغايرية صبيب الأودية، ولهذا السبب، كلما اتجهنا من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي من البلاد، إلا وقل مقدار صبيب الأودية بشكل تدريجي. ولرصد التغايرية السنوية والفصلية لصبيب الأودية، وقع اختيارنا على أربع محطات هيدرولوجية وطنية. كل واحدة منها تمثل نطاقا مناخيا معينا، وذلك بهدف إعطاء صورة نموذجية عن التغيرات الهيدرولوجية التي تعرفها مختلف الأحواض النهرية .

إن السلوكات الهيدرولوجية بمختلف الأحواض النهرية ببلادنا غير ثابتة، بل متغيرة على الدوام. فمن خلال قراءتـنا لمجموعة من المعطيات الهيدرولوجية، اتضح بأن صبيب الأودية يسجل أرقاما قياسية في السنوات الرطبة. في حين، إبان السنوات الجافة تعرف تراجعا إلى أقصى حدودها، وبالخصوص إذا ما طالت فترة الجفاف كما وقع في بداية الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين. وتتميز السنة الهيدرولوجية العادية بالمغرب بأربعة فصول، لكن تبقى المدة الزمنية لكل فصل غير ثابتة، فهي إما أن تطول أو تقصر حسب السنوات الممطرة أو الجافة. وفي بعض الحالات، قد لا تتعدى مدة فصل الخريف الهيدرولوجي شهرا واحدا.بل أكثر من ذلك، قد تعرف بعض السنوات غياب فصل أو فصلين تبعا للظروف المناخية السائدة . 

يفهم من ذلك، أن النظام الهيدرولوجي للأحواض النهرية هو نظام شتوي، يتصف بتغيرات فصلية كبيرة. وهو ما يجعل الواردات المائية تتسم بعدم الانتظام، حيث تسجل حدها الأقصى خلال الشهور الرطبة، وحدها الأدنى في الجافة. فهي تعرف تغييرات مهمة مرتبطة بفصلية المطر ومدى تركزه. وعادة، تمتد الفترة التي يكون فيها الصبيب مرتفعا خلال دجنبر- مارس، مع تركز شديد في شهري يناير وفبراير. ذلك، أن أقصى صبيب يسجل في الشتاء الهيدرولوجي، وخاصة بالأحواض الشمالية الغربية. لكن خلال فترة يوليوز- شتنبر يحدث العكس، إذ تشهد معظم الأحواض عجزا شبه كلي إلى كلي في الصبيب. ويمس خاصة الأحواض ذات الجريان الموسمي. ويمكن اعتبار ارتفاع الصبيب في موسم الأمطار وتراجعه في الجاف، خاصية تتشابه فيها كل الأحواض حتى الكبيرة منها كسبو وملوية وأم الربيع. ما يدل على مدى التأثير الكبير الذي تحدثه التساقطات المطرية في النظام الهيدرولوجي بالمغرب .

وعلى أي، تبعا للتنوع الطبيعي الذي يعرفه المجال المغربي، فإن أهمية الجريان السطحي تتفاوت بين مختلف الأحواض. ويظهر هذا التفاوت جليا، بين أحواض المنطقة الشمالية الغربية وبين الجنوبية الشرقية من البلاد. فمعظم الأودية الكبرى التي تنطلق من السفوح الشمالية الغربية، تعرف جريانا مائيا منتظما في أغلب فترات السنة. بينما التي تنبع من السفوح الجنوبية الشرقية، فإنها تمتاز بجريان ذو طابع موسمي. ويمكن لمس هذا التفاوت، من خلال تفاوت نسبة سيلان المياه بمختلف الجهات. ففي الريف ومقدمته تتراوح النسبة ما بين 40 % و 55 %. وتنحصر بين 10% و15 % في المناطق الواقعة بين الريف والأطلس المتوسط والمحيط الأطلسي، وهي دون 10 % في باقي المناطق . 

عموما، إن النظام الهيدرولوجي ببلادنا يعرف تفاوتا على مستويات عدة، تبعا لخصوصيات الوسط الطبيعي العام المتنوع. فالوضع الهيدرولوجي يبقى أساسا متأثر بعدم الانتظام والتغيرات السنوية البارزة للتساقطات المطرية وتوزيعها غير المتجانس. فالنظام الهيدرولوجي يعرف نقصا متزايدا في المياه، نظرا لارتباطه الوثيق بالتساقطات المطرية والثلجية والتي تتسم بعدم الانتظام في الزمان والمكان. فهناك وفرة في المياه خلال الفترات الممطرة وشح في الجافة . 


المصدر مداخلة محمد صباحي / كلية الآداب – تطوان في :
DEUXIEME COLLOQUE INTERNATIONAL
EAU ET CLIMAT REGARDS CROISES NORD / SUD
Eau : Ressource , Risque et développement durable dans les pays de la Méditerranée
Occidentale
Université Sidi Mohamed Ben Abdellah , Fés
Faculté des Lettres et Sciences Humaines Sais – Fès
Laboratoire d’Analyse Géo-Environnementales et d’Aménagement
Route Imouzzer , B.P : 59 , Fès - Sais , Maroc

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية