أفكار وتوصيات مستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية و تحديات الموارد المائية بالمغرب

















أفكار وتوصيات مستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية و تحديات الموارد المائية 

يوسف إد عبد الله طالب وباحث في الجغرافيا والاعلاميات 

تقديم :

أظهرت الدراسات في علم المناخ القديم أن الأرض عرفت تغيرات مناخية كبيرة على مر العصور الجيولوجية. ويتأكد هذا الطرح من خلال وجود كائنات حية، حيوانية ونباتية متحجرة لا تعيش إلا في ظروف مناخية خاصة.[1] ومن خلال تلمس بعض الشواهد التاريخية للظاهرة حيث تعرضت الجهات الواقعة في العروض العليا لانتشار الجليد انتشارا عظيما تجاوز فيه حدوده الحالية تجاوزا كبيرا حيث يغطي الجليد الحالي ℅ 10 من مساحة اليابس فإن هذه النسبة وصلت الى 28℅. نعت هذا العصر بالعصر الجليدي.[2]


إن الذبذبات المناخية تركت شواهد مازالت قائمة حتى يومنا هذا لحداثتها. قسم المغرب في الزمن الرابع الى 5 أدوار مناخية (الدور الملوي والسلاوي والعميري والتنسفتي والسلطاني وأخيرا الحالي الغربي). اعتمدت تلك الدراسة على بقايا ومحاجر خصوصا في الدار البيضاء في تصنيفاتها، ونستنتج إذن أنه في كل دورة تتألف من دور ممطر يزداد فيها هطول المطر قوة تأتي في أعقابه فترة يشح فيه المطر نوعا ويجنح خلالها صوب الجفاف. لابد أن نتوقع حدوث عمليات تغير المناخ في كل مرة تتحقق فيه أنسب الظروف إلى ذلك .وهناك شيء لا سبيل إلى الشك فيه هو أن الأراضي المغربية مثل الجهات الأخرى –تعرضت خلال المليون سنة الأخيرة من الزمن الجيولوجي لتاريخ الأرض لدورات متعاقبة من التغيرات المناخية ، كم تعرضت سواحلها لذبذبات في مستوى البحر ارتبطت بتلك التغيرات السابقة ،هذه الدورات تركت معالم السطح آثارا لازالت قائمة حتى يومنا هذا .من أودية وركامات جليدية الى مدرجات نهرية يعلو بعضها فوق جوانب الأودية الى سواحل بحرية قديمة تعلو عن المستوى العام للسواحل الحالية.[1]

وبحكم موقعه في العروض شبه المدارية، فإن المغرب يعتبر من بين البلدان الأكثر تعرضا للتغيرات المناخية. وتشير بعض المؤشرات إلى أن مناخ البلاد بدأ فعلا منذ منتصف الثمانينيات القرن الماضي يتجه نحو مزيد من الاحترار والتجفيف، وتشير السيناريوهات المستقبلية إلى أن مناخ المغرب في القرن 21 سيكون أكثر حرارة وجفافا في عموم البلاد. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى حدوث تحولات كبرى في المجال المغربي بيئة واقتصادا ومجتمعا.[2] كيف ستنعكس إذن هذه التغيرات المناخية على الموارد المائية؟ وما طبيعة الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهتها والتأقلم معها؟ 


أ‌- آثار التغيرات المناخية على الموارد المائية السطحية بالإقليم:

يعتبر قطاع الماء من أبرز عناصر البيئة الطبيعية تأثرا بالمناخ وتذبذباته في المغرب. ويتجلى ذلك في تعاقب فترات الجفاف الهيدرولوجي وفترات الفيض المائي (الفيضانات)، وذلك ارتباطا بتقلبات أحوال الطقس والمناخ في البلاد. وهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية والتسجيلات الرصدية، سواء المطرية أو الهيدرولوجية، والتي تشير إلى وجود علاقة وطيدة وقوية بين العنصرين[1]. ويصنف إقليم بنسليمان ضمن المناطق المغربية التي تعرف خصاص مائي. "ومن منطلق تحديد المناخ وتقلباته للدورة المائية واعتبارهما عنصرا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن تكون انعكاسات الارتفاع التدريجي والشبه أكيد للحرارة إلا خطيرة، المنطقة إذن حساسة تجاه التغيرات المناخية بسبب التساقطات الضعيفة التي تكاد تنعدم خلال فصل الصيف بمعظم مناطق الإقليم، وتنعكس القلة البنيوية في مصادر الماء على التوازن المائي والتالي على معظم نواحي الحياة، التي نجد على رأسها الفلاحة والاحتياطي المائي بالتربة. [2]


خلاصة :

نخلص إذن أن موضوع التغيرات المناخية موضوع خطير وحساس وشائك، فالمجتمع الدولي رغم حسمه في هذا الموضوع، وباستحضار ما حصل خلال العصر الجليد الأخير نستطيع دق نقوس الخطر سيكون التغير المناخي كبير بحجم ذلك الذي سمح للأرض من المرور من العصر الجليدي إلى الحالي. وستصبح إذن الحصيلة المائية للإقليم بنسليمان في حالة تحقق هذه التنبؤات المناخية أكثر هشاشة والوضعية الاقتصادية أشد خطورة وحتى تلك التغيرات الضعيفة منها فد ينتج عنها انعكاسات خطيرة على الطبيعة وعلى المنظومات البيئية المرتبطة بالماء وكذلك التأثير على النبات وعلى الحيوان نظرا لمحدودية تأقلمهما مع التغيرات المناخية[1]، وستزيد من حدة الخصاص الذي يعانيه الإقليم وسيفترض اللجوء الى عناصر باهظة التكلفة لمواجهة الحاجيات المتزايدة مما قد يؤدي إلى صراعات ونزعات حول هذا المورد الاستراتيجي. وبما أن التغيرات المناخية قد تستغرق وقتا طويلا لحدوثها وتأثيراتها على المستوى الزمني والمكاني، لذا نقترح التركيز على الظواهر القصوى أو الحالة المتطرفة للمناخ مثل الجفاف وكذللك العناصر التي تؤدي إلى ترجع قيمة وجودة الموارد المائية مثل التلوث. 



أفكار وتوصيات مستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية و تحديات الموارد المائية


يصعب تحديد مستقبل الموارد المائية بالمنطقة نظرا للتعقيدات المناخية والبشرية وكذلك عدم وضوح الرؤيا الاستراتيجية التي تتبناها مختلف المصالح المؤثرة على الإقليم. ولذلك قمنا بتحديد مجموعة من العناصر استنتجناها من خلال بحثنا المتواضع. 


صورة رقم: فجائية التساقطات المطرية(المنصورية بنسليمان ) 2010[1]



مشروع تحويل المياه من الشمال إلى الجنوب 




المصدر : وكالة الحوض المائي أبي رقراق الشاوية 



إن الأخطار المتصلة بالمياه تشكل نسبة 90 ℅ من مجموع الأخطار الطبيعية مما سيترتب عنا عواقب وخيمة بالنسبة للتنمية الاقتصادية. [2] وبما أن إقليم يتوفر على عناصر طبيعة وبشرية تحدد لنا حجم الموارد المائية المتوفرة، لكن في نفس الوقت تعرف هذه العناصر تدهورا من طرف السكان وتزيد الأزمات المناخية من حدتها. ويفترض الافاق المستقبلية مجموعة من العناصر التدبير العقلاني والمحكم للموارد المائية القليلة المتواجدة بالإقليم وكذلك تحسيس المواطنين بضرورة الاقتصاد في الماء وعدم تبذيره، كما يتوجب إعادة النظر في طريقة السقي بتشجيع العمليات المقتصدة في الماء وحماية جودة المياه من التلوث السائل والصلب وإنجاز السدود المبرمجة التي تم دراستها لسد الخصاص الذي نتج عن قلة المياه الجوفية، تكثيف عمليات تزويد الدواوير بالماء الصالح للشرب عن طريق القنوات الجهوية، نهج عمليات تحويل المياه السطحية من الأحواض المجاورة لسد الحاجيات المعبر عنها في مجال السقي.[3]

لكننا نختلف حول بعض العناصر الأخيرة والإجراءات الواجب إتباعها، وبما أن الطلب على الماء سيزداد مستقبلا ارتباطا بتوجه السياسة الوطنية لإعطاء دينامية جديدة لجميع القطاعات (الصناعة السياحة. الفلاحة.) مما سيؤثر على معادلة التوافق بين الإمكانيات المائية المتسمة بالقلة والتذبذب. "وفي حالة استمرار النزوعات أو التوجهات الراهنة فإن الضغوط على المجالات وعلى الموارد والوحدات الترابية ستزداد ارتفاعا. وهو ما سيؤدي إلى نقص وفرة الموارد الطبيعية. 

ولذلك فلا بد من التركيز على تنمية بشرية مستدامة تعتمد على صياغة رؤيا واضحة واقعة ومتماسكة وعلى أهداف محددة بدقة تدمج الأبعاد البيئية والاقتصادية، ويجب أن تتضمن التوجهات الاستراتيجية التي ستمكن من رفع التحديات البحث عن سبيل للحد من انعكاسات الأزمات المناخية وتدهور البيئة عن طريق تخطيط إيكولوجي يرتكز على اختيار للأراضي وللتقنيات ويجب اعتماد الأرض في المنطقة كعامل إنتاج عوض أداة للمضاربة العقارية وذلك باستخدام عوامل تحفيزية متنوعة تدابير جبائيه مساعدات مالية.[4] وكذلك يجب اعتماد الظواهر المناخية الجديدة قاعدة أساسية من مميزات المناخ الجديد والاستعداد لها للتقليل من مساوئها والاستفادة من محاسنها ولا نركن إلى الاستثناء. والمخزون المائي يجب أن يستعمل في وضعية الجفاف.[5]ويجب أن تتمحور كل مخططاتنا حول الإكراهات والتحديات التي تواجه منطقتنا، حيث إن اقتصادنا غيبي لكونه يعتمد ويراهن على عناصر لا نتحكم فيها مثل السياحة والفلاحة وعائدات العمال بالخارج.[6]

نخلص إذن أن مستقبل المنطقة يعيش تحث رحمة مجموعة من الاكراهات والتحديات، ولكن يمكن تجاوزها إذا اعتمدنا بعض العناصر والحلول الاستراتيجية، بحيث يجب أن نعتمد على سياسة استغلال سنوات الوفرة المائية لتحويلها لصالح السنوات العجاف فلازلنا لم نؤسس لسياسة أمنية غذائية تبلغ على الأقل 10 سنوات كما في الصين، حيث في بلدنا المخزون الاستراتيجي يبلغ 3 أشهر. وبالتالي يجب إعادة النظر في تلك السياسة. كما يجب تحويل مياه المناطق الشمالية نحو المناطق التي تعرف عجزا وندرة وخصاصا مائيا. وعلاوة على ذلك يجب التسريع بمغربة الأنشطة الاقتصادية الوطنية لأن ذلك سيمكننا من التحكم في اقتصادنا. وأخير اعتماد التساقطات المناخية كاستثناء والجفاف كقاعدة أساسية في التخطيط الاستراتيجي للمنطقة. 

كما يجب التخفيف من حدة المخاطر وذلك عن طريق التدبير المعقلن، وذلك من خلال البحث عن عوامل الخطر، وفي النهاية فمقاومة الإنسان للأخطار والكوارث المناخية يقتضي التدبير عن طريق التنبؤ والوقاية والإصلاح [7]

وفي عصرنا هذا يكثر الضغط والطلب على الموارد الطبيعية وقد بينت اللقاء الدولية مؤخرا أن البيئة العالمية في تدهور مستمر ، يعني أن للكرة الأرضية التي هي مأوانا بغلافها الجوي تدق ناقوس الخطر لأن التوازنات الطبيعية في خلل متزايد (تقب الأوزون .ذوبان الجليد ، ظهور أمراض .الخ) إن 50 سنة الأخيرة أثرت بشكل كبير على البيئة نتيجة الاستغلال الفاحش للموارد وتطور الصناعة ، وإذا لم تتخدد مواقف صارمة ولم تطبق القوانين بجدية عالية فإن المشاكل البيئية ستتفاقم وستتولد عنها أمراض يصعب التحكم فيها وآنذاك سيجد الإنسان نفسه في هاوية ولا تنفعه ندامة .[8]



[1] عبد الملك السلوي التساقطات والحصيلة المائية بالسهول الاطلنطية المغربية منشورات كلية الادب والعلوم الإنسانية الطبعة الأولى 2006 ص136
[2] حسن عوض 1985 الذبذبات المناخية في المغرب خلال الزمن الرباعي الجيولوجي منشورات كلية الادب بالرباط مجلة البحث العلمي العدد الرابع ص:5-6
[1] حسن عوض مرجع سابق ص ص: 9- 10-22-23-24
[2] عبد العزيز باحو، وآخرون. التغيرات المناخية وانعكاساتها العامة على الموارد المائية وعلى الفلاحة وسبل التأقلم معها منشور في: http://geo-you.blogspot.com/
[1] عبد العزيز باحو مرجع سابق
[2] عبد الملك السلوي مرجع سابق: ص 140
[1] عبد المالك السلوي.مرجع سابق ص: 139-141-145
[1] بحث ميداني 2010 
[2] تقرير الأمم المتحدة الرابع عن تمية الموارد المائية 
[3] وكالة الحوض المائي منشور تحث اسم: المعطيات السوسيو اقتصادية المتعلقة بإقليم ابن سليمان 
[4] عبد العوينة الإطار الطبيعي للمغرب http://geo-you.blogspot.com/2014/05/blog-post_3030.html 
[5] محمد سعيد قروق مفهوم “الاستثناء” في تفسير الوضع المناخي الحالي http://marocenv.com/284.html 
[6] محمد أزهار 2014 محاضرات في الجغرافيا غير منشور كلية الآداب والعوم الإنسانية المحمدية. 
[7] عبد المجيد السامي 2010-2011 محاضرات تحث عنوان الأخطار المناخية كلية الآدب والعلوم الإنسانية المحمدية 
[8] على أي احسين مرجع سابق 


للمزيد : المصدر الأصلي على الرابط التالي: http://magazine-geo.blogspot.com/2015/05/20132014.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية