استراتجية المحافظة ورد الاعتبار للمدن العتيقة بالمغرب

استراتجية المحافظة ورد الاعتبار للمدن العتيقة بالمغرب ( حالة مدينة مكماس)
 
 مصطفى كنكورة


 
 
 
 
 
ملخـص الأطـروحة




يتوفر المغرب على تراث حضاري مهم صنفت منه تسعة مواقع على لائحة التراث العالمي، وحظيت فيه المدن العتيقة بنصيب الأسد ومنها مكناس التي سجلت سنة 1996م. وعلى اعتبار أن التراث رافد من روافد التنمية، عمل المغرب في السنين الأخيرة على تعزيز إطاره السياسي والمؤسساتي والقانوني، ومحاولة تقوية قدرات الفاعلين فيه، مما أفرز وعيا عاما بمشاكل المدن العتيقة، وبوادر إرادة سياسية تتوخى تدبيرا أفضل للموارد التراثية ومحاربة أقوى لآفة التدهور، وتحسينا مستمرا لظروف عيش المواطنين داخل المدن والمواقع التاريخية، وذلك من منطلق اعتبار الحفاظ على التراث جزءا لا يتجزأ من عملية الحفاظ على الهوية والذاكرة الإنسانية كإرث جماعي مشترك. لذا أصبح الانشغال بحماية المدن العتيقة يعبر بالدرجة الأولى عن إرادة سياسية أكثر مما هو مطلب حقيقي للسكان أو المجتمع المدني. وهذا ما يفصح عن وجود سياسة تراثية بالمغرب، ويستدعي التطرق إلى جانبها التنظيمي بشكل أساسي.

ويأتي طرحنا لموضوع "إستراتيجية المحافظة ورد الاعتبار للمدن العتيقة بالمغرب، حـالة مكنـاس، خلال المرحلة الممتدة من 1912 إلى بداية القرن الواحد والعشرين" بحكم أن التفكير في مصير هذا التراث عن طريق عمليات المحافظة ورد الاعتبار، أضحى يفرض نفسه بإلحاح ويستأثر بعناية المختصين؛ ذلك لأن وضع المدينة العتيقة أصبح في الوقت الحاضر يثير الانتباه، على جميع المستويات: الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والبيئية وغيرها. ومن البديهي أن يتمحور التفكير في مصير هذا النوع من المجالات الحضرية الحساسة حول مسألة رد الاعتبار، أي السهر على إعطائها إمكانية الاستمرار في القيام بوظائفها، وذلك اعتبارا لنسيجها العمراني التاريخي المسجل تراثا إنسانيا، والمتميز بضمه لوحدتين عمرانيتين مختلفتين ومتكاملتين في نفس الوقت: مدينة وسيطية وأخرى سلطانية أكثر حداثة، وهو ما شكل أساس تفردها عن باقي المدن المغربية. لكن بقدر ما نكشف عن قيمة هذا التراث، بقدر ما نفاجأ بالتدهور الملفت الذي تعانيه، الأمر الذي بدأ يفقد المدينة طابعها الأصيل وقيمتها التاريخية. من هنا بات من الضروري القيام بأبحاث ودراسات لكشف النقاب عن مختلف جوانبها العمرانية بما فيها الإستراتيجيات والمخططات التي اعتمدت في تدبير نسيجها العتيق، والوقوف على التدخلات التي عرفتها في ميدان المحافظة ورد الاعتبار، خصوصا وأن هذا الموضوع لازال بكرا ومفتوحا أمام الجهود الهادفة إلى الكشف عن خباياه ومحاولة المساهمة في إحداث تراكم معرفي حول تراث مدينة مكناس الغني والمتعدد الأوجه.

فمدينة مكناس العتيقة تعيش عدة مشاكل مرتبطة بطبيعة هيكلتها العمرانية وإطارها المبني وتكوينها التاريخي والتطورات التي عرفتها في العقود الأخيرة خصوصا أمام الزحف العمراني الحديث، وما آل إليه نسيجها العتيق ومحيطها البيئي ارتباطا بواقع التدهور، والذي تزداد وطأته مع تسارع وتيرة الزمن وعوامل الطبيعة واستغلال الإنسان.

إن طبيعة التحولات التي شهدتها مدينة مكناس العتيقة خلال حوالي قرن من الزمن، فرضت أنواعا معينة من التدخلات الممارسة على مجالها الحضري، مما طرح إشكالية رد الاعتبار وتهيئة نسيجها العتيق. فهذه الإجراءات المعاصرة ليست وليدة اليوم، بل تم القيام بمحاولات عديدة لأجل ضبط هذا المجال ومواكبة متطلباته، وذلك من خلال اعتماد مناهج المحافظة والإنقاذ ووسائلهما القانونية والمؤسساتية والتقنية على وجه الخصوص، والتي تم إقرار العديد منها في المرحلة الاستعمارية، مع ما حملته من فكر وفلسفة متناقضين في مضمونهما وفي شكلهما مع الأبعاد الحضارية للساكنة المحلية. مما طرح وبإلحاح إشكالية جدوى هذه الإجراءات ومدى ملاءمتها مع واقع المغرب المستقل بحمولته التاريخية وانفتاحه على التجارب الدولية، ومع الإطار الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمدينة العتيقة، مع ما يتضمنه نسيجها الأصيل من أسس تنظيمية وخصوصيات مجالية. من هنا نتساءل عن أوجه تعامل مهيئي المرحلة مع واقع النسيج العتيق، وإلى أي حد نجحوا أو أخفقوا في تجاوز أزمة المدينة العتيقة؟ ثم فهم وتقييم مدى فعالية مشاريع رد الاعتبار التي نفذت بهذا المجال، وإلى أي مدى ساهمت في دمجه في النسيج العمراني، وإيجاد ترابط وتكامل بين أحياء المدينة القديمة والجديدة؟

وعموما، تهدف هذه الأطروحة إلى تتبع مختلف إستراتيجيات رد الاعتبار للمدن العتيقة بالمغرب، وتعمل على دراسة التجربة المحلية الخاصة بمدينة مكناس، بغية‏توضيح بعض مكامن الضعف التي تواجه برامج أجهزة تدبير وتنمية المدن العتيقة في المغرب، ‏ولا شك أن الغرض من ذلك الاستفادة من إيجابياتها ومحاولة التغلب على آثارها السلبية، للمساعدة في وضع ‏مقترحات تساهم في نجاح برامج المحافظة على المدن العتيقة، خصوصا وأن هذا العمل يتزامن وطنيا مع إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية للتدخل في الأنسجة العتيقة بالمغرب، ومحليا مشروع التأهيل الحضري وتصميم التهيئة والإنقاذ لمدينة مكناس العتيقة.

للإجابة على الإشكالية المطروحة، اعتمدنا منهجا يرتكز على دراسة نسقية للموضوع، من خلال التناول الكرونولوجي الموضوعاتي لمختلف القضايا، انطلاقا من دراسة السياسات التي اعتمدت في تدبير المجالات الحضرية العتيقة بالمغرب ومكناس خاصة، ارتكازا بالأساس على الوثائق المرجعية الرسمية التي أطرت التدخل في هذا المجال.

وبحكم أن موضوع رد الاعتبار للمدينة العتيقة موضوعا مركبا ومعقدا، فقد تعترض الدارس عدة عراقيل أهمها انعدام الدراسات وصعوبة الحصول على المصادر. فإذا كانت الأبحاث والدراسات المتعلقة بالجانب التاريخي والأثري قد تطرقت بشكل أو بآخر لجانب من جوانب التراث العمراني لمدينة مكناس العتيقة، وفقا لمقاربات متباينة وخلال فترات زمنية مختلفة؛ فإن الدراسات المرتبطة بإجراءات المحافظة ورد الاعتبار لهذا التراث تظل غائبة، باستثناء بعض الأبحاث التقنية القليلة حول إنقاذ المدينة العتيقة أو ترميم معالمها التاريخية. من هنا كان البحث عن المادة المصدرية مضنيا وطويلا بسب تشتتها وتنوعها، مما حتم علينا الإطلاع على الكثير من المصادر والمراجع التي تعددت مشاربها، سواء التي تهم الموضوع مباشرة أو التي لمسنا فيها ما ينير السبيل ويقرب من فهم القضايا المدروسة؛ وهكذا شملت تخصصات متعددة يؤطرها التاريخ، من تعمير وقانون وجغرافيا واقتصاد وبيئة وهندسة معمارية. وقد استعنا بالتقارير والوثائق الإدارية والتقنية الصادرة عن الجهات الرسمية وخصوصا في شكل أرشيفات الفترة المدروسة، بالإضافة إلى التشريعات والقوانين المرتبطة بالتنظيم الإداري والإجراءات المسطرية التي استقينا معظمها من الجريدة الرسمية، وأخيرا الدراسات والأبحاث التي تفاعلت مع تنفيذ هذه السياسات سواء إيجابا أو سلبا، وهو ما مكننا من استنباط الأحكام حول مجمل القضايا التي يعرفها هذا النسيج العتيق.

ومن أجل تحقيق الهدف المسطر للبحث، فقد كان من البديهي أن تقسم فترة الدراسة التي تمتد على مدى قرن من الزمن تقريبا، بناء على تقدير التحولات المفصلية والجوهرية التي عرفتها إستراتيجية رد الاعتبار للمدن العتيقة بالمغرب عموما ومدينة مكناس على الخصوص إلى بابين يتعلقان بمرحلتين مختلفتين تاريخيا وسياسيا: مرحلة الحماية ومرحلة الاستقلال. مما مكننا من تلمس معالم السياسة التراثية لكل مرحلة على حده والتفصيل في مقوماتها؛ وهو ما ساعد على القيام بعملية التتبع والمقارنة وبالتالي رصد التحولات التي عرفتها هذه السياسة‏. علما أننا مهدنا لكل باب بمحورين الأول حول أوجه السياسة المتبعة من طرف السلطات المعنية سواء الحماية الفرنسية أو الدولة المغربية في ميدان التعمير، والثاني عن وضع مدينة مكناس العتيقة الديموغرافي والاقتصادي، لكونهما عاملان مؤطران ومؤثران في عملية رد الاعتبار والصيانة، وكذا نجاح أو فشل سياسة الجهات المسؤولة عن هذا الميدان. وخصصنا لمجموع الأطروحة مقدمة وخاتمة، ثم ملحقا يتضمن مجموعة من الوثائق والجداول التفصيلية.

فقد عالج الباب الأول موضوع تجربة الحماية الفرنسـية في الحفاظ على تراث مدينة مكناس ابتداءا من سنة 1912م، حيث تناولنا ركائزها اتجاه المدن العتيقة المغربية عامة ومكناس على الخصوص، والتي شكلت قطيعة مع النظام الأصيل الذي ظل قائما لقرون عديدة، وذلك من خلال التطرق للجانب القانوني-التشريعي والمؤسساتي، ومدى تأثير ذلك على هياكل المنظومة الحضرية والمجال العتيق تحديدا، ثم القيام بقراءة في أهم مشاريع التهيئة والبناء والترميم التي همت المجال العتيق المكناسي.

وفي الباب الثاني، انصب اهتمامنا على الإجراءات التي اعتمدتها الدولة المغربية بعد الحصول على الاستقلال لرد الاعتبار للمدن العتيقة، وموقع مكناس ضمن الاستراتيجية الوطنية، مع استخلاص التحولات التي طرأت في منظور السلطات المسؤولة على التراث العمراني، ومحاولات تحيين الترسانة التشريعية لتستجيب للسياق الدولي، وعلى طرق التدخل في النسيج العتيق ومشاريع الترميم والتهيئة التي همت كل مكونات التراث المحلي، مع التوقف عند تصنيف مكناس تراثا إنسانيا من طرف اليونسكو، وبداية استئثارها باهتمام المنظمات الدولية الثقافية منها والتنموية والمالية، وأثر ذلك على وضعية المدينة العتيقة ونسيجها العمراني وتراثها الطبيعي والثقافي بصفة عامة.

وفيما يلي أهم الخلاصات والإستنتاجات العامة التي توصلنا إليها:

عملت سلطات الحماية على تنفيذ مخططاتها الاستعمارية داخل المدينة العتيقة بطريقة سلسة "قانونية" تجنبها كل معارضة أو مواجهة من قبل الساكنة عموما. وكان على رأس تلك المخططات، تحويل كافة السلطات بالمدينة إلى الأجهزة والموظفين الفرنسيين بدل أصحابها الشرعيين. فعرفت الأجهزة التقليدية تراجعا كبيرا، كالقاضي والمحتسب والأمين، مع إصلاح أهم التنظيمات المحلية المتمثلة في مؤسسة الأحباس التي قيدت بشكل يخدم المصالح الاستعمارية، مقابل إقامة مؤسسات مستحدثة "كمصلحة الحرف الأهلية" وأيضا "البلدية" و"مصلحة الفنون الجميلة والآثار" كجهاز وصي على التدبير الحضري.

كما تمت محاصرة مدينة مكناس العتيقة بمجموعة كبيرة من التشريعات التعميرية المرتبطة بارتفاقات المحافظة والحماية والترتيب ومنع البناء وعدم التعلية، سعت في الظاهر إلى صيانة المدينة والاهتمام بمآثرها التاريخية عن طريق الإصلاح والترميم، في حين هدفت في العمق إلى التملص من القيام بإصلاحات جذرية داخل المدينة. وتجدر الإشارة أنه إذا كان المستعمر قد همش المدينة العتيقة وتناساها في مخططاته الجديدة والقصد هنا تصاميم التهيئة، فهو قد حافظ على مآثرها التاريخية وحاول القيام بتنظيم إدارة تهتم برعايتها وحمايتها، وهو شيء يستحق الذكر من باب الإنصاف. ومن جهة أخرى كرس التفرقة القائمة على أسس اقتصادية وثقافية بين المدينة "الأهلية" والمدينة الجديدة، إذ كان لاختيار حمرية مقرا إداريا وعسكريا لإدارة الحماية أبلغ الأثر على مستقبل المدينة، فالاهتمام أصبح مركزا عليها، في حين ظلت المدينة العتيقة تجتر مخلفات القرون الماضية، وأضحت شبه متحف حي لمغرب ما قبل الحماية، تساهم في إنعاش السياحة.

لقد شكلت فترة الحماية تحولا جذريا في المنظومة الحضرية للمغرب، خاصة وأن ما تلا هذه المرحلة من تشريعات قد جاء كله لتطوير وملاءمة هذه الأدوات المستحدثة مع الوضع الجديد، إذ استمر العمل بها حتى بعد حصول المغرب على الاستقلال قبل أن تشهد مجموعة من التعديلات، تبعا للظرفية السياسية والتطورات التي ظل يفرزها المجال العتيق، ووفقا للمستجدات التي عرفها واقع المدينة العتيقة وموضوع التراث، خاصة بعد انفتاح المغرب على التجارب الأجنبية وانضمامه إلى المنظمات العالمية وتوقيعه على الاتفاقيات الدولية.

فبعد أن عرفت مدينة مكناس العتيقة جمودا شبه تام خلال العقود الأولى من الاستقلال بسبب انشغال الجهات الرسمية بمعالجة أزمة السكن، رافقها ارتفاع للكثافة السكانية وانتشار لظاهرة التساكن وتدهور للإطار المبني وتأزم نشاطها الاقتصادي؛ بدأت تظهر بعض بوادر الانفراج خلال أواخر السبعينات مع القيام بإعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وإنجاز بعض مشاريع التهيئة والترميم، لتعرف المدينة قفزة نوعية على جميع الأصعدة، خاصة بعد تسجيلها على لائحة التراث الإنساني سنة 1996م، سواء على مستوى تعدد المتدخلين أو الميزانية المرصودة أو الدراسات والمشاريع المنجزة، والتي تنوعت لتشمل كل أوجه التراث المادي بمدينة مكناس، وذلك موازاة مع صدور قانون 22-80 المتعلق بالترتيب وحماية المعالم التاريخية، وتحيين قانون التعمير بإصدار قانون 12-90، والقيام بخطى حثيثة لتحديث هذه المنظومة.

ونظرا لكون سن تشريعات قانونية تدمج الاعتبارات التراثية لا يكفي وحده للتصدي لكل أنواع الاختلال، فإن تنمية المدينة العتيقة يجب أن تتخذ طابعا ثقافيا حتى تتكامل هذه القواعد مع التصرفات اليومية للمسؤولين والمواطنين أيضا، مما يستدعي إشراك هيئات المجتمع المدني أيضا، لينقلب الانشغال التراثي إلى سلوك يوجه كل التدخلات ويؤطر كل الممارسات، علاوة على ذلك لا بد من مصاحبة التخطيط الحضري بمشروع للتنمية المستدامة، والتوفر على دراسات قطاعية تمكن من تقدير التفاعلات التراثية.

لكن رغم الاختلالات التي تم تسجيلها، فقد لاحظنا بوادر تغيير في ذهنية السلطات المشرفة على القطاع، واقتناع الجهات المسؤولة بضرورة جعل التراث رافدا من روافدالتنمية ومحركا أساسيا من محركات الاقتصاد. وهنا نسجل المرونة التي أضحت تتميز بها وزارة الثقافة في التعاطي مع التراث، عكس النظرة المتحفية التي مارستها مصلحة الفنون الجميلة إبان الحماية والعقود الأولى للاستقلال، وتدخل مصالح أخرى كالتعمير والإسكان والأوقاف والسياحة، مع بداية اهتمام حقيقي من طرف الجماعات المحلية إلى درجة إحداث مصلحة المآثر التاريخية ولأول مرة بهيكلة الجماعة الحضرية لمكناس.

وتتجسد هذه القناعة في المحاولات الحثيثة لتحيين الترسانة القانونية بشكل يستجيب لمتطلبات رد الاعتبار للمدينة العتيقة، سواء المتعلقة مباشرة بالتراث أو المتضمنة في مختلف التشريعات القطاعية التي لها علاقة بالموضوع وخصوصا التعمير والبيئة، موازاة مع القيام بإعداد عدة وثائق ودراسات رسمية وبرامج حكومية. يضاف إلى هذا، مراهنة الجهات المسؤولة على التنمية السياحية وتأهيل الصناعة التقليدية في إنعاش الاقتصاد المحلي والوطني بالاعتماد على الغنى الثقافي الذي توفره المدينةالعتيقة؛ غير أن هذا التوظيف يجب ألا يكون على حساب المقومات الحضارية التي يحتضنها النسيج العتيق، فالاستعمال الإيجابي للتراث وإبراز قيمته يشكل في حدذاته ثروة جديدة وموردا اقتصاديا هاما، تستطيع الأمة أن تعوض به شح مواردها الطبيعية والاقتصادية. كما أن تسجيل المدينة على لائحة التراث الإنساني وحصولها على اهتمام وتزكية المنظمات والمؤسسات الدولية كالبنك العالمي والبنك الأوروبي للاستثمار وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وبرنامج دلتا الأورومتوسطي، كان له الأثر الإيجابي في دعم مشروع رد الاعتبار.

وعموما فقد شكلت تجربة رد الاعتبار لمدينة مكناس العتيقة، لاسيما في الفترة التي تبتدئ من تصنيفها تراثا إنسانيا سنة 1996م وإلى حدود الآن، مجالا هاما للبحث ومشتلا حقيقيا في مجال رد الاعتبار للنسيج العتيق، لا من حيث الأطراف المتدخلة أو الدراسات التي أنجزت حولها ولا من حيث مشاريع التهيئة ورد الاعتبار التي عرفتها خلال هذه المدة. كما أبانت عن حجم الرهانات التي يعقدها مختلف الفاعلين على المدينة، وهي الرهانات التي اتسمت بالتعدد الذي من شأنه أن يسهم في إغناء هذه التجربة، لكنها تميزت أحيانا بالتضارب الذي يعيق تقدم صياغة الأفكار وكذا المشاريع، خصوصا عند التفاوض مع المانحين الدوليين.

ولا بد أن نؤكد على أن الوقوف على حالة مدينة مكناس موضوع الدراسة، مكننا من الكشف عن مواطن الخلل التي تعتريها، وبمقارنتها مع ما يجري وطنيا بالنسبة للمدن المصنفة تراثا عالميا كفاس، يتضح أنها بدأت تعرف ديناميكية لا بأس بها، وتثير اهتماما على المستويين الوطني والدولي؛ فبغض النظر عن مناهجها ونتائجهاإلا أنها تشكل تجربة يمكن الاستئناس بها في تدعيم مشروع الإستراتيجية الوطنية للتدخل في الأنسجة العتيقة والتي يجب التعجيل بإخراجها إلى حيز الجود.

فهذا مضمون الدراسة ونتائجها، ومن السذاجة الإدعاء بأنني أحطت فيها بكل جوانب الموضوع وقضاياه، والمؤمل أن تسهم هذه المحاولة في تسليط مزيد من الأضواء، على جانب من تاريخ المدينة العتيقة وذاكرتها وإجراءات تدبيرها وحماية وإنقاذ تراثها، والمساهمة في إغناء النقاش حول موضوع رد الاعتبار للمدن العتيقة، وتحفيز الباحثين للقيام بدراسات أعمق في المستقبل.




 مصطفى كنكورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية