الجغرافيا في أعين الفلاسفة الأغريق بقلم محمد غنيمة







الجغرافيا في أعين الفلاسفة الأغريق بقلم   محمد غنيمة




إذا كانت الجغرافيا هي العلم الذي يدرس الأرض بوصفها وطنًا للإنسان، فإن التفكير الجغرافي لابد وأن يكون قديما قِدم الإنسانية نفسها ولكن دون أن يخضع هذا التفكير لمنهج معين فإنه لايرتقي إلى أن يصبح علمًا، ولكي يصبح علمًا لابد من ملاحظة الجزئيات، وترتيب المعلومات ووضع الأسئلة والفروض ومحاولة الإجابة عنها وإثباتها، ومن ثم وضع النظريات ومحاولة تطيبقها ثم الوصول أخيرًا لقوانينها، أي الإنتهاء من الجزئيات إلى الكليات.



كانت الجغرافيا دائما محل دراسة منذ القدم لمحاولة وضع أسس لها وتطوير أساليب البحث فيها، فالجغرافيا عند الاغريق مثلا تعني وصف الأرض وكانت تنقسم إلى قسمين الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الإقليمية أو الوصفية، وكانت الجغرافيا الفلكية تبحث آنذاك أبعاد الكرة الأرضية وخطوط الطول ودوائر العرض ودوران الأرض.. إلخ، أما الجغرافيا الوصفية فكانت تبحث في وصف البلدان والأقاليم، ولكن ما لبثت حتى تطورت وظهر فرع جديد من الجغرافيا على يد الاغريق لعل أبرزهم هيبو قراط، أرسطو، ثم بن أبن خلدون وهو فرع الجغرافيا الإجتماعية، حيث قاموا بعرض لأحوال البلاد الإجتماعية والمدهش هنا أنهم عندما كانوا يواجهون الدهشة لسبب أمر ما في حياته الإجتماعية فكانوا يرتبطوا بالمناخ.



فيكتب هيبوقراط كتابا بعنوان “الجو والماء والأقاليم” بيٌن فيه المفارقات التي لاحظها بين سكان الأقاليم الجبلية؛ المعرضين للرياح والأمطار والذين يتصفون بطول القامة والشجاعة ودماثة الخلق وبين سكان الأقاليم السهلة المكشوفة الجافة، والذين يتصفون بنحافة القامة، وفيه طبع السيادة والإمارة، وهنا أوضح العلاقة بين الإرتباط وعدم الإرتباط بين البيئة وسكانها.

أما أرسطو فقد لوحظ في كتابة “السياسة ” نوعان من الإرتباط بين المناخ وبين طبائع الشعوب وهذا الأرتباط الي لاحظه أرسطو لم ينسدل الستار عنه إلا مؤخرا مع ظهور مجموعة العلوم الحديثة التي أيدت فكرة أرسطو بأن المناخ أحد العوامل المؤثرة في تركيب طبيعة البشر حول المكان.



أما بن خلدون فشيء، آخر فقد ظلت كتابات أرسطو وغيره من الفلاسفة الاغريق، والرحالة الجغرافيين مقيدة ولم يسلك منهجها أحد حتى جاء بن خلدون، فظهرت في كتابه “مقدمة بن خلدون” بوضوح، حين تحدث في فصله الأول عن “العمران البشري على الجملة” عن العمارة في الأرض وشرح ما تحتوية من الأشجار والأنهار والأقاليم ثم انتقل بعد ذلك للتحدث عن أثر الشعوب، كسابقة أرسطو عن المناخ وتاثيره على طبائع البشر مكررًا لما وصل إلى العرب من الإغريق ولكنه تقدم بعد لك في فصله الثالث على أثر المناخ في انثروبولجية الشعوب.



ثم ظهرت بعد ذلك مجموعة أفكار أخرى على يد فلاسفة من القارة الأوربية لعل أشهرهم بودان في كتابه الجمهورية الذي أخذ يبرهن فيه على شكل الجمهورية وكيفية وجوب تطابق مع صفات البشر المختلفة المتنوعة وهنا بدأ يفصل في وسائل معرفة طبائع البشر وكتب أن أهل الأقاليم المعتدلة المناخ على جانب أكبر وأقوى من حيث الأخلاق من الجنوب وكتب أهل الشمال كانوا أقل مهارة في الصناعة إلا أنهم أذكى عقلا من أهل الجنوب.

وتعتبر مؤلفات مونتسكييه أهم ما كتب بعد مقدمة بن خلدون حتى القرن الثامن عشر فقد جمع في كتابه روح القوانين مجموعة من الكتابات التي تتناول إعتبار الإنسان كائنا فرديًا أو وحدة طبيعية، تقابلة قوتان هما الأرض أو التربة والمناخ ولكنه أدخلهما في اعتباره دون أن يحللهما أو يحلل تاثيرهما بالتفصيل.

وبها قد بنى الفلاسفة الاغريق الذي لا يسعني المقام للتحدث عنهم وتجاربهم وآرائهم الجغرافية نوعا من أنواع الجغرافية ما يطلق عليه …فلسفة الجغرافيا التي أبحث عنها الآن بعد وفاة الراحل جمال حمدان وإبراهيم زرقانة وسليمان حزين ومحمد عوض محمد وغيرهم .. فأين هذا الفرع من العلم الآن؟.


المصدر:
http://pss.elbadil.com/2016/06/11/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D9%82-1/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية