هل الجغرافيا.. علم بائس؟ محمد غنيمة لعل التساؤل المستمر حول علاقة الجغرافيا بالتاريخ أو السياسة أو التكنولوجيا هو ما دفعني لكتابة السطور التالية



















هل الجغرافيا.. علم بائس؟  محمد غنيمة



لعل التساؤل المستمر حول علاقة الجغرافيا بالتاريخ أو السياسة أو التكنولوجيا هو ما دفعني لكتابة السطور التالية.

بداية.. يجب أن نعترف بأن الجغرافيا هي أفضل وعاء عرفته العلوم؛ قد لا تتفق معي في ذلك، ولكن هل كنت ستعرف ما تنفرد به الدول أو المناطق من خصائص طبيعية وبشرية أو حتى اقتصادية؟

ربما لم تضف الجغرافيا إلى المعرفة الإنسانية حرفًا واحدًا جديدًا، ولكنها تجمع ما توصلت إليه سائر العلوم الطبيعية والاجتماعية للمتعلم العادي والمثقف العام؛ فمثلاً لن يصبح كل متعلم في الدنيا متخصصًا في النبات والحيوان إذا لم يعرف شيئًا عن الغابة الصنوبرية، غابة المطر، الإستبس، الكنجارو أو الرنة أو حتى.. غيرها، إلا إذا كانت دراسته الجامعية تحت بند الجغرافيا، فأين ومتى سيعرفها؟ لن يعرفها قط؛ وهذا بالنسبة للعلوم، أما الثقافة فشيء آخر.

ولا أجد أفضل مما كتبه الدكتور جمال حمدان لتأكيد هذا الأمر: “قد لا تكون الجغرافيا قمة العلوم ولكنها قمة الثقافة، فالجغرافيا هي أعلى مراحل الثقافة وهي علم الثقافة الأساسي، بدونها أنت غير مثقف مهما فعلت وبها أنت مثقف مهما قصرت”.. وكذلك مقولته في مقدمة كتابه القيم “استراتيجية الاستعمار والتحرير”: “إن الجغرافيا الجذر الجبري للتاريخ”.. وبذلك يكون الأمر واضحًا دون شرح: إذا لم تكن هناك جغرافيا فلن يكون هناك تاريخ.

أما عن الجانب التكنولوجي فقد شهدت علوم الجغرافيا في الفترة الأخيرة ما لم تشهده غيرها من العلوم؛ فصعود الأقمار الصناعية غرضه الأساسي دراسة النواحي الجغرافية، سواء الأقمار الهادفة للتجسس أو دراسة التطور المكاني أو حتى التصوير الفضائي، فكلها تصب في روح الجغرافيا.

ولعل ظهور برامج التحليل المكاني والإحصائي أزاد هذا العلم طفرة كبيرة حتى إنه أصبح يستوعب تخصصات لم يكن يستوعبها من قبل، فتجد نفسك صديقي القارئ في دهشة عندما تعلم أن الجغرافيا دخلت في حشايا علوم الطب البشري والبيطري، فمؤخرًا نشرت مجموعة من العلوم عن تطبيقات جديدة لقياس تحرك الأورام من خلال خرائط يتم مراقبة تطورها باستخدام برنامج يدعى (Arc GIS).

إن تطور علوم الجغرافيا جعلها متشابكة بشكل موسع مع كل علوم الحاسب الآلي لتجد أنها أصبحت أحد علوم الحواسب الآلية نفسها، فكل تطبيقات الإنترنت أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي هي في حد ذاتها شبكة خرائط مكانية تتشابك حتى تظهر بشكلها النهائي، هذا بجانب الرافد الأساسي لها وهو الخرائط.. ولن أتطرق إلى أهدافها العظمى، ولكن دعني ألفت نظرك عما تستفيده أنت منها الآن؛ ببساطة تستطيع معرفة مكان تواجد صديقك أو حتى تسير من خلالها لهدفك من خلال هاتفك الصغير.

الجغرافيا في النهاية هي البيانات التي تقدم لذوي القرار كل احتياجاتهم، فهل لنا الآن أن ننظر نظرة مختلفة لهذا العلم البائس؟!



المصدر http://pss.elbadil.com/2016/04/29/592/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية