التوطن الضاحوي بالمدن الكبرى يطرح اشكالية الانتماء للمجال وممارسته +
الملوثات الصناعية أبرز اشكاليات الصناعة الضاحوية بالمرناقية
محمد المناعي: باحث في الجغرافيا الحضرية وعلم رسم الخرائط
على المستوى الرمزي يعتبر التوطن الضاحوي إحدى الطرق المعاصرة لتملك المجال[1] وخلق مجالات ترابيّة متماهية مع المجالات الحاضرية (دوبواتان ، شالاس ، ( Dubois-taine, G., Chalas, Y., (1997)، فقد أدى نمو المجالات الضاحوية الى عملية تتريب المدينة وخلق مجالات ترابية جديدة أين يشترك السكان في الانتماء للحاضرة رغم اختلاف مجال التوطن بين المركز والضاحية ، بالرغم من الطابع التمييزي الاقصائي الذي تمارسه المجالات المركزية على مستوى الاندماج الاقتصادي والملكية ، وتظل الملكية أساس الإحساس بالانتماء لمجال معين ضاحوي كان أم مركزي في الوقت الذي أصبح فيه حلم الملكية غير متاح للجميع بل أصبحتمييزي(كافالاس وسيلو ، et Selod, H., (2003 Cavalhes, J.) نتيجة رسملة المجال وعولمة النظرة الربحيّة له كقيمة اجتماعية جديدة للتعامل مع الأرض ، فلانتماء للمجال الضاحوي من عدمه أصبح رهين منطق عقلاني يجمع بين ضعف القيمة العقارية للأرض والقرب من محاور النقل وتوفر الأمن والرفاهية بقطع النظر عن البعد الرمزي والانتمائي للمجال.
فقد دفعت حركية السكان الى اضعاف التعلق بالمجال وتأكيد الانتماء اليه كما أدت الدينامية الاقتصادية والمجالية الى سرعة التغير المشهدي والمجالي والقضاء على الصورة الذهنية للمجال لدى ساكنيه بالقضاء على معالمه المميزة ، فالمجالات الزراعية سرعان ما تحولت الى مجالات ضاحوية تطغى على صورتها الأحياء السكنية والمناطق الصناعية طامسة ملامحها الأولى ومنتجة ملامح سريعة التغير في الواقع وفي التمثّل والتصوّر.
كما يتحول التدخل في المجالات الجديدة والتحكم فيها عبر طرق تهيوية مختلفة الى عملية مراكمة توسيم هذه المجالات بسمات خاصة كإحدى أدوات تملّكها ( دي ميو ، Di Méo, G., (1998)) حيث تتميز المجالات الضاحوية بضعف التدخل التهيوي من ناحية وتنوع وتعدد المتدخلين من ناحية أخرى مما أدى إلى إلغاء السمات الثابتة للمجال والبحث عن النجاعة الاقتصادية على حساب الجانب الرّمزي.
تطرح إشكالية الانتماء للمجال الضاحوي الهدف من التوطن وتصور المجال الضاحوي ، من ناحية تمثل ضاحية المرناقية بالنسبة للوافدين من المناطق الداخلية إحدى مكونات العاصمة بكل ما تحمله من خلفيات في أذهان التونسيين ، خاصة وفرة مواطن الشغل وفرة التجهيزات ، مستوى عيش راقي ومتحرر ... وبالتالي يعتبر التركز بالمجال الضاحوي مدخلا للاستفادة من امتيازات العاصمة مقارنة ببقية المجال الوطني، بينما على المستوى العملي تعتبر المجالات الضاحوية ملجأ للفئات الاجتماعية الوافدة من المناطق الداخلية والتي تتميز بهيمنة الفئات محدودة الدخل والمهمشة الباحثة عن العمل والتي أفرزتها الإختلالات التنموية الداخلية والباحثة عن تحسين وضعها المعيشي والجمع بين القرب من المجال المركزي للعاصمة والحصول على سكن بسعر أرض منخفض ، ويتم عادة اختيار المجال الضاحوي دون غيره بناءا على وجود أقارب حيث يبين تتبع مصادر الوافدين ومجالات تركزهم أهمية القرابة والانتماء القبلي ( العروشي ) في اختيار مكان السكن، حيث تنتشر الأحياء المرتبطة بالألقاب بمجالات مختلفة من ضواحي العاصمة ... وبالمرناقية نلاحظ مثل هذا التقسيم على مستوى الأحياء فنجد تركز "الجرابة" بحي الحبيب وأصيلي بوعرادة وسليانة بحي 7نوفمبر و20 مارس في حين يتركز " الباجية "بحي النصر ويستقطب حي السعادة وحي الأندلس معظم الوافدين من ولايات تونس الكبرى ...
تتعامل هذه الفئات الوافدة مع المجال بشكل شبه متجانس مع فارق بين أصيلي الجنوب خاصة " الجرابة " وأصيلي المناطق الغربية ، ففي حين يعتبر أصيلي جربة وغمراسن من أهالي الجنوب ضاحية المرناقية مكان استقرار وقتي من أجل العمل حتى ولو دامت هذه الاقامة عدة سنوات مع الحفاظ على علاقة التواصل مع الموطن الأصلي ، يتميز أهالي الشمال والوسط الغربي بالقطيعة شبه الكلية مع الموطن الأصلي مقابل علاقة منفتحة ومتينة مع سكان المجال الضاحوي المنحدرين من نفس المصدر والذي تترجمه العلاقات الخاصة بين الأسر والاحتقانات الاجتماعية التي يهيمن عليها الطابع العروشي والاشتراك في الموطن الأصلي الواحد والتي طبعت المجالات الضاحوية عموما واشتهرت كميزة للمجال الضاحوي بالمرناقية خاصة إلى أواسط التسعينات، وتتميز هذه الفئات عموما بشدة ارتباطها بالمجال الضاحوي و ممارسة هذا المجال بكل تفاصيله ، وتتميز عادة بحالة من القطيعة مع الفئات الأخرى خاصة الفئات المتميزة بانغلاقها الاجتماعي على غيرها من السكان على غرار أصيلي جزيرة جربة و أصيلي صفاقس ( القراقنة والصفاقسية ) وخاصة الوافدين من المجال المركزي لمدينة تونس في شكل هجرة عكسية من الفئات الاجتماعية الميسورة والتي تعيش في قطيعة مع المجال والسكان و تقتصر العلاقة بالمجال الضاحوي على الاقامة . وتبينالخريطة تباين ممارسة المجال الضاحوي بين وافدي الهجرة العكسية والهجرة الداخلية من خلال مثالين من الأسر .
[1] - Didier, P., (2002). " La presse et l’image des villes : le palmarès des villes en question. ", Lille : Agence d’urbanisme de Lille Métropole, décembre 2002 , 14p.
الملوثات الصناعية أبرز اشكاليات الصناعة الضاحوية بالمرناقية
محمد المناعي
بالنظر لغياب مجالات صناعية منظمة ومهيأة قادرة على استيعاب ما تستقطبه ضاحية المرناقية من مؤسسات صناعية بالاضافة لغياب أدنى مستوى من التجهيز بالمنطقتين الصناعيتين ، تطرح اشكالية التلوث الصناعي في علاقة بتوطن الصناعة داخل التجمعات السكنية على غرارمصنع "سيفاف" الذي تركز بين مساكن حي الرياض المصنف حيا مهيّأ من قبل بلدية المرناقية أو مصنع نجارة الخشب بحي 20 مارس وملاصقة المنطقتين الصناعيتين للمجالات السكنية حيث تقع المنطقة الصناعية المرناقية 2 بين حي 7 نوفمبر وحي التومية وهي أحياء غير منظمة في حين تحيط أحياء أبو القاسم الشابي وبير بن نجيمة والرياض بالمنطقة الصناعية المرناقية 1 التي تم بناء المدرسة الاعدادية أبو القاسم الشابي على جزء من المجال المخصص للصناعة وفق مثال التهيأة العمرانية سنة 1999 .كما يقع مجمع ايناسفود للألبان وتحويل المنتوجات الفلاحية متاخما للمدرسة الاعدادية 20 مارس ولمجال زراعات مروية بهنشير أولاد ماضي وتقع الشركة العامة للمشروبات داخل مجال سكني مهيأ وهو حي الأندلس وحي 20 مارس و التقسيمات السكنية عقارية الحي .
التلوث الصناعي بالمرناقية سنة 2009
ويتواصل تركز الصناعة خاصة داخل المجال الزراعي وهي صناعات ملوثة اضافة الى استهلاك الأرض الزراعية تقوم بتدمير التوازن البيئي في محيطها ، وفي هذا الاطار تتركز 3 وحدات للصناعات الكيميائية في عمق المجال الزراعي وهي شركة صناعة سوائل الحماية من الحرائق و شركة بيولشيم للأسمدة و شركة بروشيماد للمواد الكيميائية .
وقد بينت الاستمارة الميدانية أن الصناعة هي المصدر الأساسي للتلوث خاصة الفضلات السائلة التي تلقي بها المصانع بكل من وادي شافرو شديد التلوث ووادي بورقبة والمجاري المائية المجاورة للمنطقة الصناعية المرناقية 1 و مجمع ايناسفود. هذا فضلا عن الفضلات الغازية والروائح الكريهة التي تنبعث من مصانع الجلد والمواد الكيميائية والألبان ومصنع المشروبات الغازية والحليب أو المنبعثة من الأودية المذكورة أو من المصب المهيكل للفضلات ببرج شاكير والتي تعكر البيئة الحضرية خاصة في فصل الصيف هذا الى جانب الضجيج المنبعث من مصنع نجارة الخشب والصناعات الميكانيكية والمعدنية ومواد البناء على غرار مصنع البلاط.
المصدر : الظاهرة الضاحوية وتحولات المجالين السكني والصناعي بضاحية المرناقية تحت تأثير عامل الحوضرة :مقاربة خرائطية ، بحث لنيل شهادة الماجستير في الجغرافيا ، المؤلف : محمد المناعي ، المشرف : محسن ذياب ، 2010
المصدر بتصرف مدونة الفكر العقلاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق