رفع مؤخرا والي بنك المغرب تقريرا الى العاهل المغربي حول الوضعية النقدية والاقتصادية المغربية، وكشف أن نسبة النمو الاقتصادي لم تصل الى 7 % كما زعم حزب العدالة و التنمية بتمريره سياسة مغلوطة الى الشعب المغربي بل بقيت في حدود 2.8% خلال سنة 2012. و التساؤل المشروع كيف تحققت هذه النسبة رغم الركود الاقتصادي العالمي ومن ضمنه المغربي؟
رهن المغرب نفسه الى الفلاحة منذ استقلاله الشكلي كركيزة للاقتصاد المغربي وعليه بنيت كل المسارات التنموية في البلاد، وهذا اعتبارا من المخطط الخماسي الاول بعد الاستقلال 1960-1964 الى جانب الصناعة ورغم الفشل الذريع في تلك المراحل نوهت حكومة البكاي بن امبارك (أول حكومة مغربية مباشرة بعد الاستقلال ) الى ضرورة اعمار الهياكل الوطنية التي شغلها المعمَر ثم اقرار السياسة الاقتصادية للبلاد المتمثلة في الفلاحة، و تكرر نفس الخطأ في المخطط الثلاثي الموالي 1965-1967 باقرار الفلاحة كلبنة اقتصادية وطنية أو ما يسمى بالثورة الخضراء .
يتضح أن الارضية واضحة تمام الوضوح مع المشكل المحدث بداية و المتراكم مع مرور الوقت وهنا تظهر السلبية في الواقع والواقعية المعاشة فنسبة النمو لسنة 2012 التي قدرت ب 2.8 % ولم تأتي هذه النسبة من هذا القطاع (الفلاحي) النفيذ للمال والموارد، بل تأتًت بفعل القطاع الثالث المكون للتجارة و الخدمات، كما هو معلوم أن المغرب يعد من أكثر البلدان في افريقيا من حيث استهلاكه للمياه ومنها 90.4% يستهلكها القطاع الفلاحي وبالرغم من هذا لم تحقق اكتفاءا ذاتيا فكل سنة تلتجأ الحكومة الى السوق الامريكية والروسية و الهولندية للاستيراد، ومن جهة أخرى ، لا يمكن اعتبار القطاع الفلاحي قاعدة اقتصادية وطنية إن لم يحقق اكتفاءا ذاتيا، ومضر بالمورد المائي الذي آل الى النضوب وتشير الدراسات في هذا الصدد الى حرب زرقاء قادمة في الأمد المتوسط إن لم نقل القريب. فالمغرب عرف من أين تأكل الكتف منذ التجاءه الى سياسة السدود و أخص بالذكر السدود الكبرى التي شيدت مند السبعينات الى مطلع الألفية الثالثة، ومع كل الاشكاليات التي طرحها هذا القطاع. بقي المغرب رهينا بالفلاحة ورهن نفسه الى التخلف و التبعية الخارجية، فالوازع العقلاني والمعقول كان سيؤدي بالدولة وبالمؤسسة الاقتصادية الوطنية نحو القطاع الثالث كحجر الزاوية لبناء مغرب مستقر اقتصاديا ومتطور اقليميا ومعروف الغايات، عوض الاتكال على التساقطات والارتهان الى سنة ممطرة أو العكس لبناء التوقعات الاقتصادية، كما أن المغرب له ما يؤهله ليحدث شرخا واضحا في القطاع الثالث من قبيل السياحة و التجارة و الخدمات المختلفة ... كل هذه العناصر لو أهلها المغرب منذ الاستقلال و جعل منها سياسة اعدادية واشهارية حنذاك لتبوأت الآن مكانتها .
الفلاحة هي نشاط اقتصادي منتج و مشغل ولكن دون النتائج المطلوبة في كلا العنصرين فالاول يقتصر على الانتاجية النسبية و الظرفية المطرية، و الحل المطروح هو اللجوء الى الاسواق الدولية، وعنصر مشغل فهو ظرفي و مؤقت حسب الفترات دون دخل قار كل هذه المؤشرات تدل على المعضلة الفلاحية في المغرب حيث أن الاخير لم يحقق لا اندماج اقتصادي ولا تجانس انتاجي ولا تكامل وظيفي فكل قطاع يشتغل بمفرده مع اعتماد الأولوية الفلاحية، ومن هذا يتولد سؤال التنمية في المغرب -الفلاحي- بدون تشغيل دائم ولا دخل قار وما سينعكس على المنظومة الاجتماعية من قبيل الرفاه المعيشي والوضع الصحي والنسق التشغيلي ...فضلا عن التوقعات الأرصادية التي تشير الى تزايد تردد الجفاف على المغرب في المستقبل ومآل هذه الوضعيات ستؤدي لا محالة الى زيادة نسب الفقر الى أقصى المستويات كما حدث ابان جفاف عقد التسعينات حيث انتقل الفقر من 13 % 1991 الى 19% عام 1999 والوسط القروي هو الضحية الاولى بكونه يعتمد كليا على النشاط الفلاحي و للاشارة انه في حدود 15% سنة 2004. ويقصد بالتنمية محاولة الانسان تغيير الظروف و الواقع وذلك باستثمار و تطوير الموارد و اقامة التنظيمات اللازمة و بلورة الافكار التي تؤدي الى حياة أفضل. وهناك علاقة وطيدة بين النمو والتنمية فالأول يعتبر قتطرة اسمنتية نحو التنمية فاذا بطل النمو بطلت التنمية التي تولد الرفاه الاجتماعي، النضج الفكري ، التشبع الثقافي، و الممارسة التنموية بمختلف أطيافها، ناهيك عن التحسن الملحوظ و المستمر في الآداء المعيشي و الحياتي ،فكل هذه المترابطات تحيل الى شيء وحيد وأوحد ألا وهو الاتجاه الخاطئ للمنظرين الاقتصاديين المغاربة الأوائل أي مباشرة بعد الاستقلال ولكن باستطاعة المغرب تصحيح الأوضاع بشرط القضاء على البيروقراطية المتفشية كنقطة انطلاق ومن ثم التقدم نحو ارساء قواعد خدماتية و سياحية و تجارية كبرى وصغرى و متوسطة .
يبدو أن تقرير بنك المغرب كشف المسطور وضرب كل الخبايا بعرض الحائط و اعتبر أن نسبة النمو وصلت الى 2.8 % وتعتبر لا بأس بها بالنظر الى ركود الاقتصاد الدولي وهذه النسبة آتية بالدرجة الاساس من القطاع الثالث كما صرح والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، كما بقيت نسبة البطالة في أفق 10 % ( هذه النسبة الأخيرة تطرح أكثر من علامة استفهام، وشك في مصداقية النسبة )، و بالتالي تحريك عجلة الاقتصاد الوطني بغض النظر عن العجز المالي و الوظيفي للدولة، فالاشكالية بقدر ماهي بسيطة فهي معقدة ولكن لا ضرر في قلب المعادلة القطاعية الاقتصادية وميل الكفة لصالح القطاع الثالث على حسلب تقليل سيولة القطاع الأول، ومن هنا نتساؤل ما دور القطاع الفلاحي اذ لم يحقق نموا اقتصاديا في ظرفية نحن في أمس الحاجة اليه لخلق دينامية في هياكل الدولة و الاقتصاد ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق