السكــن الريفــي بالمغــــرب




 
 
 
 
 
 
 
 
السكــن الريفــي بالمغــــرب

مقدمــة
في دراسته لعوامل الأنظمة الفلاحية عرفR.Lebeau السكن الريفي بأنه هو نمط توزيع المنازل الفلاحية داخل المحاط، باعتباره هدا الأخير تراب تمارس به المجموعات الريفية،و المجتمعات الفلاحية الأنشطة الفلاحية و الحقوق الزراعية.
هذا التعريف يبرز بأن السكن له خصائص متفردة بالمجال الريفي : خاصية الأريفة و خصائص اجتماعية و اقتصادية. و بالتالي فمسألة السكن الريفي تتجاوز مستوى التحليل البسيط إلى مستويات أخرى تسعى إلى فهم العلاقات بين الخصائص السابقة و السكن الريفي.
السكن الريفي ليس معطى تابت، بل يتطور و يتحول ككل الأنظمة الاقتصادية و الاجتماعية ضمن صيرورة تحولات المجتمع من مجتمع تقليدي إلى مجتمع أكثر انفتاحا و أكثر اندماجا في تيارات العولمة و التأثيرات الكبرى و السوق الدولية. وهي الحالة التي يعرفها المغرب منذ سنوات بداية الاستقلال. و بالتالي فهذه التحولات تترافق و تحولات عميقة سوسيومجالية للمجال الريفي و الجبلي بخاصة.
فالسكن الريفي لم يعرف تحولات نوعية قبل وعلى عهد الاستعمار سواء من حيث عمارته أو بنياته و تجهيزاته رغم الاستقرار القديم للإنسان، لكن منذ الستينات سيعرف السكن الريفي تطورات هامة شبيهة بتلك التي عرفتها الحواضر، و بالتالي سيعرف هذا السكن تغيرات أبعدت العديد من المرافق التي كانت تميز السكن القروي لتخلق مرافق جديدة تتماشى و المستوى الاقتصادي و الاجتماعي لسكان الريف
1- إشكالية السكن الريفي بالمغرب:
السكن الريفي لا يمثل رهانا أساسيا و أولوية للسكان الريفيين، بقدر ما يعتبر التوفر على التجهيزات و الخدمات الأساسية من أهم الإنشغلات. فكثير من السكان الريفيين لا يطرح لديه مسالة السكن بحدة على عكس ما هو عليه بالمدن. غير انه نجد انشغالاتهم المشار إليها وفقر مجالاتهم تجعلهم يتجهون نحو المدن أو المراكز الحضرية القريبة.
انطلاقا من التصميم الوطني لإعداد التراب يتضح أن الاهتمام بالعلم الريفي ينحصر فقط في معطيات إحصائية، من خلال وضع تراتبية بين الأقاليم الريفية من حيت وضعيتها الاقتصادية و مستويات التنمية الريفية، أو التمييز بين المجالات الريفية المتحولة القريبة من المدن الكبرى. بينما يتم تجاهل الترابات المنسوجة من طرف الساكنة( الدوار، القبيلة، التجمعات القروية و دورها في تنظيم المجال الريفي)، و دور السكن في هذه المنظومة الترابية/ المجالية.
إضافة إلى ذلك فهناك اندثار للمعمار المحلي خاصة المجالات الواحية و الجبلية. حمايته هذا التراث يتطلب قبل كل شيء اجرائات قانونية مفعلة على المستوى المحلي. و هذا غير حاصل خاصة مع الدور الذي يقوم به هذا المعمار التقليد في إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال السياحة القروية.
2- السكن الريفي بين ضعف المعطيات الرسمية و ندرة البحث النظري:
2-1 المعطيات الرسمية المتعلقة بالسكن الريفي:
لا يمكن الحديث عن معطيات رسمية، أو إحصائية خاصة بالسكن الريفي إلا بعد الإحصاء العام للسكان و السكنى لسنة 1971. حيث يمكن الحديث عن معدلات احتلال السكنtaux d'occupation، توزيع الأسر حسب عدد مرافق السكن، طبيعة السكن، تجهيزات السكن ( الكهرباء، الماء الصالح للشرب، المطبخ، المرحاض...)...وهي نفس العناصر المعتمدة كذلك في الأبحاث الوطنية بالعينة، وتعمد في المجال الريف و الحضري هو ما يمكن من المقارنة بين المجاليين و تحديد مدى الفوارق بينهما.
2-2 المعطيات النظرية المتعلقة بالبحث في السكن الريفي:
من الصعب تناول مسألة الريفي دون الحديث عن تاريخه و بنياته و طبيعته و العوامل المتدخلة في تطوره. و دراسة السكن الريفي تعتمد مقاربات متعددة التخصصات، حيت يتداخل م ا هو مجالي/ ترابي، و ما هو سوسيواقتصادي و تقني. و في إطار البحث حول السكن الريفي يمكن التمييز بين 3محاولات أساسية:
الأولى في سنة 1965 في إطار الأيام الدراسية حول" الدوار و المراكز القروية بالمغرب" الموثقة بمجلة جغرافية المغربالعدد8. و الملتقى ضم جغرافيي و اجتماعيين مثل Jean Le Coz و Daniel Noin و J.F Troin ...
هدف الأساسي من الملتقى هو الإحاطة بمسالة السكن الريفي انطلاقا من زاوية البنيات الزراعية و أنماط الأنظمة الإنتاجية. و كذلك انطلاقا من المكونات الاجتماعية للساكنة. وتم التركيز على الخصائص المتعلقة بانتشار و تجمع السكن و أشكاله. و كذلك العلاقات بين أشكال السكن والتجمعات البشرية، إضافة إلى تغاير السكن حسب الدوار و المراكز القرويةCentres ruraux de services، و التجمعات السكنية الخطية على طول المحاور الطرقية والأسواق.
الثانية كانت نم طرف فريق بحث مركز الدراسات و البحث و التكوين (CERF) التابع لمديرية التعمير و السكن مع Jean Hansens. هذه المحاولة تمثلت في البحت الوطني حول السكن التقليدي الريفي في سنة 1970. الهدف من البحت هو وضع مقاربة مفاهيمية للسكن الريفي التقليدي بأنواعه( الخيمة، الهش، الصلب..).
الثالثة عبارة عن أعمال مختلفة لبعض الباحثين. لكن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو ندرة الأعمال الدارسة للسكن الريفي عكس ما هو حاصل في دراسة السكن الحضري. و أهم كتاب في هذا الإطار هو " السكن، المجتمع و الدولة في بلدان المغرب العربي". و لا يعالج السكن الريفي إلا في فصله الثالث من خلال دول المغرب العربي.
3- السكن الريفي والوحدات السوسيومجالية:
السكن الريفي هو جزء من التنظيم المجالي و الاجتماعي،هذا التنظيم هو ذو مستويات اجتماعية و استعمالات مختلفة.
3-1 من المجال القبلي إلى مجال الجماعات المحلية:
هذا الانتقال تم أساسا بنهاية الوظيفة الدفاعية و الأمنية للتراب القبلي. وكذلك عن طريق تحولات المجتمعات المحلية. إضافة غالى عامل تكريس الدولة المركزية و إحدات تقسيمات ترابية جديدة ( جماعات محلية، قيادات، تراب الشيخ و المقدم...). فمجال السكن كان محصورا ضمن إطار من هذه الترابات القديمة، وانتشاره هو متغير حسب تغير كل إطار قبلي. فنجد السكن هو جد متمركز و متجمع تبعا للإطار العائلي للدوار أو للإطار القبلي.
3-2 الدوار وحدة سوسيومجالية وترابية:
- الدوار تجمع سكني عائلي Parental: الدوار هو تجمع اثني يجمع الساكنة التي لها نفس الأصول العائلية، تكون متجانسة و مترابطة في بعض الأحيان مع تجمعات أخرى ضمن نفس الإطار القبلي. فهي إذن تجمعات تاريخية بالأساس. ونجد في هذه الدواوير انتشار السكن يتم انطلاقا من نقط مركزية كالمسجد أو السوق...
هذا النمط من الدواوير المتجانسة هي الآن في تغير مستمر بفعل التنوع المجتمعي وتوافد ساكنة أخرى حديثة الاستقرار(البراني). أو بفضل الانتعاشة لاقتصادية لبعض الساكنة. وبالتالي ظهور ترابات جديدة و دواوير جديدة، أو انه نجد في بعض الحيان أن السكن ينتشر بشكل فردي مديرا ظهره للدوار الأصلي، ومعبرا عن النزعة الفر دانية.
- الدوار إطار للاستغلال الفلاحي: يمثل الدوار كذلكتجمع للأراضي التي يمتلكها ساكنة الدوار أي المحاط.و المحاط يمكن أن يكون متصلا او غير متصل. بالتميز بين الدوار المتجمعblocs والمحاط البسيط، و الدوار المنتشر والمحاط المجزء. و المحاط هو في نفس الوقت نتيجة لمجال القبيلة و إلى حدود الدوار.
- الدوار تجمع سكني: الدوار ليس وحدة جامدة، بل وحدة تطور تحت تأثيرات داخلية وخارجية، وبتغير مكوناته الاجتماعية خاصة بالمجالات التي تعرف حركية مهمة لعلاقات مجالية كثيفة.
وهذا التطور يمكن ربطه كذلك بالتحضر المتزايد و الفر دانية في السكن التي تفسر انحلال المجتمع التقليدي. و توافد فئات اجتماعية جديدة. إضافة إلى ظهور بنيات تحتية كالمدارس و المستوصفات و الدكاكين، التي تشكل نوايا جديدة لانتشار السكن. بينما نجد نمطا آخر من السكن أكثر تطورا ينتشر خاصة على محيط الأسواق والنقط التجارية و المحاور الطرقية، مشكلة بذلك مراكز قروية و الأسس الأولى للتحضر، خاصة إدا ما تم دعمها من طرف الدولة بإنشاء مراكز إدارية كالقيادات أو الجماعات المحلية...
4- السكن الريفي ومحدودية التدخلات العمومية:
1- تجربة الوحدات القروية بمجال دائرة الاستثمار الفلاحي بدكالة (UREF): هي تجربة انطلقت من طرف المكتب الوطني للسقي في بداية الستينيات بهدف الرفع من الاستثمار الفلاحي، ودلك عن طريق إحداث وحدات التصميم المديري للتجهيزات القروية بالأماكن التي يتطور فيها السكن بشكل مهم( كسيدي بنور).
من بين أهداف هذه التجربة هو وضع حدود للجماعات القروية و للمراكز المحليةChef lieu و الدواوير وتصنيفها. وقد حمل هذا التصميم المديري اقتراحات تقنية وجغرافية حول مسألة انتشار السكن، عن طريق خلق مراكز جديدة او تضميد التجمعات السكنية المتواجدة. غير أن هذه التجربة عرفت نوعا من الصعوبات المتمثلة في ضعف مداخل الفلاحين وعدم تمكنهم من الاستقرار في المنشآت السكني المشيدة. إضافة إلى عدو تمكن الساكنة من الحصول على قرض لترميم السكن. و مديونية الفلاحين بفعل مشاركتهم في عمليات الضم، إضافة إلى دفعات وجبات استهلاك ماء السقي.
2- برنامج بناء المساكن القروية villages PAM: تم في اطار المخطط الخماسي 1973-1979، بهدف اعادة ترميم العديد من القصبات و القصور. لكن القليل من هذه المشاريع هي التي تحققت بفضل دعم مركز التنمية الجهوية الذي أنشئ بمناسبة خلق عمالات جديدة مابين 1974 و 1976.
3- برنامج السكن القروي HR الذي تزامن وبرنامج السكن الاجتماعي بالمدن. توخى هذا البرنامج انشاء منازل ( غير كاملة) بمبلغ لايتجاوز 15000دهـ لكل منزل.
4- مشروع التمدين بالعلم الريفي مابين 1955 و1996، حيث كانت الفكرة هي التخطيط لمراكز قروية على مجالات 300هـ لخلق تجهيزات عمومية و احداث منشأت سكنية بهذ المراكز، مع مراعاة خصائص السكن الريفي باعتباره وحدة للانتاج و الستقرار الحيواني و الوظيفة السكنية للاسر. غير ان هذا التصور لم يتحقق منه شيئ ولم يخرج الى حيز الوجود.
5- برنامج المساعدة الهندسية للسكن الريفي: يهدغ هذا البرنامج الى تقديم مساعدة هندسية وتقنية للاسر الريفية الراغبة في بناء منازلها او ترميمها. وفي هذا الإطار تكلفت الوكالات الحضرية باعداد تصاميم مرجعية لمجموع جهات المغرب مع مراعاة كل جهة في خصوصية بنائها و طريقة تصاميمها.

نموذج للتصاميم التي اعدتها الوكالات الحضرية

معظم هذه التدخلات عرف نجاحا نسبيا أو فشلا كاملا نتيجة لعدم مشاركة الساكنة في بلورة هذه المشاريع، فهي مشاريع يخطط لها من الأعلى و يتم تعميمها دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية واستشارة المسئولين المحليين. فهذه التدخلات جاءت و الحاجة الملحة للسكان هي التوفر على التجهيزات الأساسية و الاجتماعية.

خاتمــة
دراسة السكن الريفي بالمغرب تبرز أن هذا الأخير ليس فقط وحدة للاستقرار وإنما هو إضافة إلى ذلك وحدة للاستغلال و الإنتاج كذلك. وتطوره هو مرتبط أساسا بعوامل خارجية أكثر منها ذاتية محلية، فتحول السكن الريفي يتم عبر انفتاح المجال الريفي على المجالات الحضرية و تكاتف العلاقات الحضرية بينهما. أو توغل عناصر أخرى كتوافد ساكنة جديدة و تزويد المجالات الريفية بالتجهيزات الأساسية( الكهرباء، الطرق...) تجعل من صيرورة تحول السكن الريفي أكثر دينامية من ذي قبل. و الملاحظ في التدخلات العمومية بالمجال الريفي عامة و في السكن خاصة أن التدخلات التي تمس السكن مباشرة تكون ضعيفة التأثير على عكس التدخلات العامة المرتبطة بالتجهيزات الأساسية.

المراجـع:
- J. Le Coz, Douar et centre rural: du campement au bour, Revue de la géographie du Maroc, n° 8, 1965
- D. Noin,type d'habitat dans les compagnes du Maroc, RGM, n° 8,1965.
- Merzaby, D Attoumane, M. - Herzenni, A.Electrification et changements dans la vie quotidienne d'un village de montagne (Haut-Atlas central, Maroc
https://dspace.msh-alpes. prd.fr/bitstream/1801/350/2/RGA_1996-4_10-Herzenni.pdf
http://www.google.co.ma/search




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية