حول أهمية المياه في حياة الانسان ودورها في صراعه للبقاء

الأ ستاذ :عبد الرحمن أغـــــــزاف 
أستاذ باحث في علم المياه بمكناس المغرب 
a.aghzaf@caramail.com 





حول أهمية المياه في حياة الانسان ودورها في صراعه للبقاء، يقول احد الكتاب بأن المياه كانت موضوعا تحظى باهتمام بالغ، وأن مجمل تاريخ البشرية يمكن أن يكتب على أساس العلاقة التي ربطت الانسان بالحاجة الى الماء. ومع أن المياه كانت أكثر السلع قيمة خلال تاريخ البشرية في الزمن الغابر، فقد اعتبرها الانسان هبة من الله وموردا مجانيا وبالتالي فان استخدامها والتصرف بها كما شاء حق له منذ الولادة. ومثل هذا المفهوم المتحرر لم يشكل أي عقبة إدارية في وقت ليس ببعيد، كما أنه حتى مطلع القرن العشرين، فان الطلب على الماء وفعالية استخدامه ونوعيته كانت ثانوية بشكل عام

.
تقدر الموارد المائية في المغرب بحوالي30 مليار متر مكعب منها حوالي 75 % عبارة عن مياه سطحية وحوالي 25% عبارة عن مياه جوفية،ويعتمد المغرب على مجموعة من السدود لتخزين المياه والعمل على إعادة توزيعها. وهكذا مع تطور المدنية وازدياد عدد السكان والتوسع العمراني والصناعي في المغرب، أخذت المياه تكتسب طابعا جديدا لتصبح سلعة اقتصادية متميزة. وتكمن أهمية المياه في كونها سلعة ضرورية لحياة الانسان لا يمكن الاستغناء عنها أو استعاضتها بسلعة أخرى كما هو الحال بالنسبة للعديد من السلع الاستهلاكية، ومع ذلك فان المياه تختلف عن غيرها من الثروات الطبيعية في ثبات موردها من خلال الدورة الهيدرولوجية، إلا أن موارد المياه في اغلب مناطق المغرب معرضة للاستنزاف أو عدم الصلاحية للاستخدام في غياب الإجراءات الكفيلة بالعناية بها والمحافظة عليها ومنع تلوثها والقيام بإدارتها على أحسن وجه نظرا لأهميتها في حياة الانسان وتطوره وتقدمه على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. 
تقع معظم المناطق المغربية في مجالات تقل فيها الأمطار، وتنعدم في بعضها مياه الأنهار والبحيرات، وتجف في بعضها الآخر المياه السطحية في مواسم الجفاف، وتتصف المياه الجوفية فيها بصورة عامة، بانخفاض مستواها وشح تغذيتها (منطقة سوس ومنطقة المغرب الشرقي) وتعاني طبقات مائية جوفية كثيرة من ارتفاع في ملوحتها وتدهور في نوعيتها مع تزايد استغلالها (السهول الأطلنطية، هضبة المحمدية ومنطقة الوالدية).

يتوقع والحالة هاته، أن ينتج عن ظروف هذه الوضعية،ندرة الموارد المائية الكامنة ؛ وقد وصلنا في بعض المناطق الى مستويات جد مقلقة جراء الاستغلال المفرط للموارد المائية من 30 مليار متر مكعب الى 22 مليار مكعب ، مما يعني أن التراجع وصل الى الثلث خاصة المياه الجوفية، وهذا يلحق ضررا كبيرا بالقطاعات المسقية في سوس وسايس والحوز.. الأمر الذي يجعل الرجوع الى التوازن أمرا صعبا إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة فإننا سنصل عما قريب الى وضعية حرجة؛ لن نضمن تزويد جميع المناطق بالماء الصالح للشرب ؛ حيث بدأت الموارد المائية في النضوب، بفعل الإفراط في الاستغلال ، ناهك عن التدهور الكمي والنوعي.
منهجية لاستغلال وتوفير المياه، فان المفروض انه كلما شحت المصادر المائية كلما ازداد التحفظ في استخدامها، وارتفع مستوى كفاءة وسائل توزيعها واستغلالها للحفاظ عليها وحمايتها من الاستنزاف والضياع. كما وينتظر انه كلما ازدادت وفرة المياه كلما قلت قيود استخدامها وتدفقت المجاري والقنوات بالمياه الفائضة والمستعملة التي يتم التخلص منها في البحر والمحيط دون الحاجة للنظر في إمكانية إعادة استخدامها. 

يظهر من خلال دراسة القطاعات المائية واستخداماتها في المغرب، أن هناك تفاوتا كبيرا في مستوى التخطيط لاستغلال وتوفير المياه. إذ تعتمد بعض الخطط على افتراضات نظرية لا تستند الى أعمال استكشافية واستقصائية وافية ومفصلة وبيانات دقيقة. بينما كان من المفروض أن يكون التخطيط لعشرات السنين، ويحتاط لأسوأ الظروف، ويهتم بحماية البيئة وإنعاشها، ويسن القوانين الصارمة، ويحرص على تطبيقها ويفرض الجزاءات الرادعة ويحدد الرسوم بشكل واقعي يغطي تكاليف الإنتاج والتشغيل والصيانة والبحوث. 

نعم يتم تنفيذ مشاريع المياه في المغرب على مستويات متباينة، ويلاحظ في بعضها أن اغلب التصاميم قد أغفلت أمورا أساسية تتعلق مثلا بأهمية توزيع مناطق الضغوط المختلفة والتوازن الأمثل لخزانات المياه. ويبدو في أحيان كثيرة أن توسعة شبكة المياه قد تم عفويا، ولتلبية ضغوط اجتماعية بدون الأخذ في الاعتبار أثر التوسعة على المناطق الأخرى من حيث تزويدها بالمياه أو من حيث الإخلال بهيدروليكية الشبكة. ويلاحظ من ناحية ثانية أن التصميم وان سلم فنيا، إلا أنه يغفل أهمية استخدام المواد والمعدات المناسبة لنوعية المياه المنقولة أو التربة التي تدفن فيها الأنابيب، بينما كان يجب أن يخضع تنفيذ المشاريع للتمحيص والتدقيق، وتمتد شبكات المياه في المناطق السكنية أو الصناعية حال تحديدها، وقبل أن يبدأ البناء عليها، ويتم اختيار أنسب المواد لاستخدامها في التنفيذ، وتوزيع المياه بشكل عادل على جميع المستهلكين، ولا يتأثر مستهلك بما يستهلكه مستهلك آخر، ولا يتذبذب ضغط المياه بين مدينة وأخرى وبين حي وآخر، وينعم المستهلكون بمياه صالحة للشرب طوال ساعات اليوم.



يواجه تشغيل وسائل إنتاج وتوفير المياه بمشاكل متباينة في المغرب، بعضها يعود لقلة الخبرة الفنية، وبعضها الآخر الى تنوع المعدات والآليات والى ضعف نوعية المعدات وشح قطع الغيار المناسبة. وتتزايد مشاكل التشغيل مع ضعف الصيانة والخلط الكبير بين أعمال الصيانة والتصليح. فمازالت الصيانة في أغلب المدن المغربية ضعيفة، ومازال الاتجاه نحو الصيانة يميل الى الانتظار الطويل الى أن تظهر بعض علائم انخفاض كفاءة المعدات أو توقفها كلية ومن تم تصليحها، الأمر الذي يؤدي أحيانا الى مواجهة مواقف محرجة، تلزم الإدارة المسئولة بضرورة تغيير آليات ومعدات بأكملها ومواجهة ظروف مالية لتوفير البديل أو قطع غيار جديدة. كان من الضروري أن تعطى لأعمال التشغيل والصيانة أهمية خاصة، ويحدد لها فرق فنية مؤهلة تعمل حسب برامج دقيقة يراعى فيها ساعات العمل والجهد المطلوب، وتتوفر قطع الغيار بشكل منتظم وتتناسق أنواع المعدات والآليات مما يؤدي الى طول عمرها أضعاف مضاعفة. 

تواجه الكفاءات الفنية العاملة في قطاع الماء تحديات صعبة. فيقع على عاتق الفنيين في مجال المياه العذبة أو المستعملة مسؤولية تحدي الظروف الطبيعية من ضعف أو شح في توفر مصادر المياه والظروف السكانية التي تتزايد، الى جانب أن طبيعة هندسة المياه تتطلب إلماما ليس في مجال الهندسة المدنية والهيدروليكية فحسب، بل تتطلب أيضا معرفة وافية لكيمياء المياه وسبل تنقيتها أو معالجتها والطرق الكفيلة بحمايتها من أي آثار بكتولوجية ودراية في استخدامات المعدات الميكانيكية والكهربائية وتحديد مدى كفاءاتها. وأغلب الظن أن ذلك يعد أحد الأسباب التي أدت الى العجز الكبير في توفر عدد الأطر الفنية الكافية والملمة بتنقية المياه.
كما يلاحظ أن قطاع الماء الشروب لا يستقطبالكفاءات الهندسية الكبرى بنفس المستوى الذي تستقطبه مجالات الهندسة الأخرى من إنشاءات وطرق وصناعة. وقد يعود ذلك الى أن الوعي الإداري لا يدرك حتى الآن أهمية استقطاب أعلى الكفاءات الفنية للعمل في مجال المياه باعتبارها العنصر الأساسي والضروري لمواجهة تحديات التنمية.

ليس من المؤكد بأن توفير التمويل كان دائما السبب في الحد من إمكانية إنجاز برامج التخطيط لقطاعات المياه، ففي نفس الوقت الذي تم فيه تأخير تنفيذ مشاريع للمياه، تم في خلالها إنشاء مشاريع في قطاعات أخرى أقل أهمية، ويبدو واضحا في كثير من الأحيان أن مشاريع المياه لم توضع ضمن أولويات الأولويات لتنفيذ خطط التنمية. وحتى وان وجد التمويل على شكل قروض أو إعانات، فان توفير التمويل لم يؤد الى تنمية مصادر المياه الطبيعية وإنعاشها بل أدى الى الإسراع في استنزاف مصادر المياه الجوفية، أو في تدهور نوعيتها نتيجة تزايد استخدام مضخات ذات إنتاجية لا تتناسب مع الشحن الطبيعي للمياه الجوفية. 




يعيش المغرب في ظل موارد مائية محدودة،ولذلك فانه يواجه تحديات كبيرة تقع عليها مسئوليات هامة في كيفية توجهها لاستخدام أفضل لكافة الموارد المائية المتاحة، ومثل هذا التوجه السليم يتعين علينا فرادى وجماعات أن تحترم القواعد الصارمة في مجال التصرف في المياه واستهلاكها وحمايتها ، ومكافحة بلا هوادة جميع أشكال الإسراف والتبذير.
يجب على كل فرد أن يدرك تمام الإدراك جسامة رهانات إشكالية الماء التي ستزداد تفاقما مع الزمن إذا نحن لم نولها كل العناية ونقدرها حق قدرها ونفهم جسامة المهمة الواجب القيام بها من حيث التحكم في العناصر المكونة لسياسة الماء.
إن الاستخدام الأفضل للموارد المائية الحالية ذات أهمية قصوى في ضوء طموحات الشعب المغربي الهادفة الى تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية وتطوير الصناعة وغيرها من الأنشطة الإنمائية، الأمر الذي يحتم على المسؤولين أن لا يقتصر التخطيط للمستقبل على إقامة مزيد من المشاريع للإنتاج المياه فحسب، بل يتطلب أن يكون ذلك التوجه كاملا ومتسقا ليشمل النظر في إمكانيات استغلال كل ما تمنحه الدورة الهيدرولوجية وكل ما تتيحه التقنيات المتطورة لتنمية موارد المياه من خلال الدراسات الهادفة لاستقصاء كافة المجالات المتاحة لزيادة تلك الموارد على أسس فنية واقتصادية وتقنية سليمة.
وعلى صعيد الاستهلاك فان الحفاظ على المياه في ضوء الطلب المتزايد عليها، يتطلب اتخاذ سياسات وإجراءات توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية للسكان من جهة وتكاليف إنتاج الماء من جهة أخرى، وذلك من خلال الإقامة التدريجية لمنظومة تعريفية لخدمتي توفير المياه الشروب والتطهير متساوقة مع وضعية مختلف فئات المستهلكين، و تحديد تعريفة الاستهلاك تميز بين فئات المستهلكين حيث تؤدي دورها في الحد من استنزاف المياه وبنفس الوقت تكون مصدرا لدخل الجهات القائمة على توفير المياه لتمكينها من الاستمرار في تأدية مهامها بيسر وفعالية. وانطلاقا من مبدأ حيوية المياه ودورها في حياة الانسان فلابد من تغيير عقلية المواطن التي لم تنتقل بعد الى إدراك ندرة المياه ولا زالت تتعامل معه كأنه وفرة كالهواء، وكذلك عدم وعي صناع القرار السياسي بالمغرب بخطورة ندرة المياه خاصة إذا قرأنا أرقاما لا تبشر بالخير ولا تدعو الى الأمل خاصة كلما تحركت هذه الأرقام نحو المستقبل الذي لا يبدو بعيدا وقد نكون جزءا منه.
صحيح أننا لم ندخل مرحلة الخطر في الوضع المائي حتى الآن، لكننا لسنا بعيدين عن مشكلة أزمة المياه التي يعود سببها الى الاستهلاك الزائد للمياه الجوفية، وعدم التوازن في استثمار الموارد المائية وخاصة في القطاع الزراعي، وتناقص كميات التساقطات 


المطرية وعجزها عن تعويض الفاقد لذلك الاهتمام بالثروة المائية والحد من هدرها وتنظيم استخداماتها وصونها من الهدر والضياع أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. 
للحد من استنزاف المياه في المغرب يجب تسليط الضوء على ما يلي :
• صحوة الضمير المغربي، فالعقيدة الدينية هي اكبر مكونات هدا الضمير ، والإسلام احرص الأديان على الحد من هدر المياه ؛
• يقظة ثقافية تجعل من ترشيد استخدام المياه معروفا والاستنزاف منكرا ؛
• مشاركة كافة المتدخلين لتحقيق ديمقراطية تدبير الموارد المائية ؛
• ضرورة توعية متخذي القرار السياسي وانفعالهم بالقضية مثلما ينفعلون بمطالبة السلطة ....الخ لأن معظمهم إن لم نقل كل السياسيين يعانون من أمية مائية خطيرة .
إن رهانات توفير المياه للجميع تكتسي بالنسبة لبلادنا بعدا استراتيجيا من حيث أن الوفرة هذه لها تبعات اقتصادية واجتماعية حاسمة على ظروف إطار معيشة الساكنة وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. 



الأ ستاذ :عبد الرحمن أغـــــــزاف 
أستاذ باحث في علم المياه بمكناس المغرب 
a.aghzaf@caramail.com 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013 | أعلن معنا | يوسف ادعبد االله | خريطة الموقع | سياسة الخصوصية